فائزه محمد علي فدعم


قبل ثلاثة وخمسون عاما اصبت بآلامٍ مبرحة . كنت انتظر الصباح بفارغ الصبر لعلها تنتهي . اصطحبني والدي الى الطبيب الذي اعطاني بعض الادوية لكنها عادت اقوى من السابق وكادت تزهق روحي .

كان اهل بعقوبة في ذلك الوقت ليس لديهم متنفس الا المقاهي . ولما تحدث والدي مع السيد حياوي ابو ادهم العلوجي اخو السيد باقر ابو فخري عن حالتي نصحه بان يأخذني الى مستشفى محمد علي الامام في بغداد وكان آنذاك يسمى طبيب الملك . توجهنا اليها صباحا وكانت تقع في الكرادة (ابو قلام) وهي من اجمل مارأيت حيث توجد فيها حديقة جانبية كبيرة تنسي المريض آلامه من شدة جمالها ويوجد فيها قارب كبير مقلوب على وجهه كتب عليه (استبرق)

فسألت والدي عنه : فقال هذا لولده استبرق كان يتنزه به في نهر دجلة الخالد كما اخبره بواب المستشفى وقتها .

قال لي والدي : اذا شُفيتي اشتري لك واحدا مثله واكتب عليه (فائزة ) كان كلامه من اجل ان انسى آلامي ... وبعد انتظار قليل مرَّ عليَّ كأنه أعوام جاء الطبيب الذي كان مربوع القامة اسمر اللون يرتدي ثياب الهيبة وعلى يمينه الممرضة المساعدة الست بهيجة وبعد السلام سألني عن حالتي وممَّ اشكو وانا على سرير الفحص وبعناية فائقة ونظرة ذكية ثاقبة وبدون اي تحليل ولا سونار ولا دوبلر ولا تخطيط للقلب ولا ايكو ولا رنين ولا مفراس ولااشعة . كما يفعلوا هذه الايام من اجل الابتزاز . كان فحصا عاديا ...

التفت الى والدي وقال له : هل معها مرافقة ؟

فأجاب بالنفي . فقال : اجلب مرافقة وملابس لانها ستبقى معنا فترة قصيرة فعاد والدي الى بعقوبة واحظر خالتي ولوازم العملية ثم قال لنا بعدها : انها تعاني من الزائدة الدودية . دفعنا نصف الاجور واخذنا غرفة من الدرجة الاولى واخبرنا ان العملية تستغرق حوالي نصف ساعة فدخلت بعد التوكل على الله ودعوات الوالد الغالي رحمه الله صالة العمليات . وبعد زوال المخدر فتحت عيني فرأيت الطبيب والممرضة وطبيبا اخر على مااذكر اسمه رياض : قال لي الحمد لله على السلامة ووجهه مبتسم وبيده قنينة بحجم زجاجة المعجون كانت مملوؤة بالحصى والشحوم الصفراء محفوظة بمادة الكلوروفورم ...

قال لي ارسليها الى طبيبك في بعقوبة ليرى مافي بطنك وسألني ماهو طعامك المفضل فاجبته (الدولمه ) فقال : طبعا فوقها شبر من الدهون وضحك .

ثم قال : لم تكن العملية سهلة ابداً فقد استغرقت ساعة ونصف وكان والدي وخالتي في حالة يُرثى لها من القلق . كانوا في منتهى الانسانية والرحمة والرفق بالمريض .

قال : عند اجراء العملية رآيت العجب فقد وجدت طبقة كاملة من الشحوم والدهون مُتجمعة فوق الامعاء بصورة كاملة فقلت انها فتاة صغيرة وامامها مستقبل طويل فقررت انا والكادر الطبي ازالتها ونادى بعدها المُمرض وقال له اجلب الصحن حتى يريني مافيه .

وقال لي : لاتقربي الدهون طيلة حياتك لتبقي رشيقة وعند ظهيرة اليوم الثاني جاء ليخبرني اننا سنتناول الدولمة معا اليوم (للمزاح)

كان المطبخ فيه ارقى انواع الطعام وافخرها وخرجت بعد ايام وذهبنا لندفع باقي الحساب فلم يأخذ سوى اجرة عملية الزائدة فقط وقال ان عملية شفط الدهون على حساب المستشفى لاني عملتها من ذاتي وكانت اول عملية للدكتور محمد علي الامام . كان انسانا رائعا لم انسى موقفه ابدا واطلب الرحمه له ولاهله مادمت على قيد الحياة .

الان ... كم طبيب هذه الايام يمتلك هذه الصفات الحسنة والرحمة في هذا الزمان الحرج ؟