فائزه محمد علي فدعم
كنا صغارا ننتظر شهر محرم بفارغ الصبر حيث كانت عوائل بعقوبة تتهيأ للاحتفال برأس السنة الهجرية قبلها بأسابيع وكانت اولى التحضيرات هي تجهيز النشرات الضوئية التي نعلقها حول باحة المنزل ونجهز اجمل الثياب ولوازم الطبخ والنسوة يذهبنَّ لتجعيد شعورهنَّ ثم الى الدلالة اليهودية ( ام الياهو ) لشراء المُستلزمات النسائية المطلوبة كالاقمشة وادوات الزينة وخصوصا عطر ام السودان الذي كان مشهوراً آنذاك والاعراس في اول ايام محرم الثلاثة مُستحبة وبعدها تتوقف حتى نهاية شهر صفر ولهذا اول يوم يكون البيت بابهى حلّة واعواد البخور في كل زاوية وتقام المنقبة النبوية في جامع الشابندر الذي يتولى قرائتها ملا حميد ابو سالم للرجال وقد حضرت في صغري على ما أذكر حوالي ثلاث مرات ...
اولها في دار السيد علي الحسون البدري الذي كان قريبا من الجامع والاخرى في دار ابو فتحي المحاذي لدائرة الزراعة مقابل قنطرة القيصرية والاخرى في دار السيد نوري عبد الحسين لان والدته كانت ضليعة في قراءة المنقبة النبوية وهي امرأة طيبة رحمها الله .
النساء في تلك المناسبات يرتدين الصاية والزبون ويربطنَّ على رؤؤسهنَّ قطعه سوداء تغطي الجبين تسمى (البويمة )وكانت باحة الدار محاطة بالكرويتات ( الاريكة ) المصنوعة من جريد النخل ( منشأها قرية الهويدر التي كانت تشتهر بصناعتها ) والبساط والحصير يتم فرشه في وسط الدار وكل سيدة تظهر بأبهى زينتها وترتدي فوق الملابس العباءة المزينة على اطرافها بالبلابل وهي من الذهب الخالص وتتدلى من الجهتين ويحضر من الطعام مالذ وطاب وبعدها يبدأ المدعوين بالحضور وبعد السلام وطيب الكلام تبدأ المنقبة مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر صفاته التي لاتعد ولا تحصى وولادته وهجرته بطريقة لاتنسى ابداً وكانت اكثر النسوة مبتهجات وبعضهن يبكين تآثراً او يزغردن وكل طفل بجانب والدته وبعد انتهاءها يوزع الطعام على الموجودين والجيران الذين كانوا من كل الطوائف وقسم من نساء اليهود ياتينَ للمشاركة مجاملة ولكنهنّ لاينبسنّ ببنت شفة ويأكلنّ الحلويات فقط ويحضرنّ بدون اطفال ولا اعرف لماذا ؟
وقبل ايام من السنة الهجرية تقام الاعراس تيمنا فيدعوا صاحب العرس الجيران على حضور الافراح وفي يوم الحنة يكون الرجال في مكان والنساء في مكان والشباب يذهبون مع العريس والشابات مع العروس يذهبنّ الى حمام الفايزية وبجعبتهنّ شاي الدارسين والفواكه ولوازم الحمام واهمها القبقاب وسط الزغاريد وتقوم الدلاكه بالمُهمة وصديقاتها يمنحوها الهدايا من النقود وعند عودتها الى البيت يرش على رأسها الملبس والحلويات التي تسمى (كفشة العروس بيضاء اللون ) والملح والقليل من الرز والحرمل خوفا عليها من الحسد وفي اول يوم من شهر محرم ليلا تبدأ الزفة اما من جامع الشابندر او السوق والسراديج (سردوج ) وهم اصدقاء العريس يمينا ويسارا والصغار والاطفال يركضون خلفهم وهم يرددون الاهازيج (شايف خير ومستاهلهه ) واذا كان العريس من الوجهاء تطلق العيارات النارية ويذهب العريس وقت الغروب الى بيت العروس لياخذها مع اهله بعربة ام الحصان او سيرا على الاقدام اذا كان بيتهم قريبا او يتبرع احد اصدقاءه بسيارة ( ام الهندر ) وتذهب احدى النسوة مع العروس من ذوات الحظ والبخت لتجلب السعادة للعرسان على اعتقادهم لتسلم باليد وهي تقول لهم منك المال ومنها البنون وتكاد من خجلها وحياءها ان تقع ارضا .
هذه التقاليد كانت بسيطة وجميلة يحتفل الماضي العريق بابسط الاشياء ويجعلها مناسبة تحكي بها الاجيال الان . اكبر الاشياء والاحداث تمر ولا احد يعبأ بها ولا ندري لماذا ؟
رغم انها كانت ايام خير وعز في كل شيء
0 تعليقات
إرسال تعليق