الكاتب والباحث السياسي
أنمار نزار الدروبي


شاعرنا المتنبي كان في ديوان ملك مصر كافور الإخشيدي وحدث زلزال أرجف الأرض، قال المتنبي مرتجلا، ما زُلزلت مصر عن شرّ ألم بها _ لكنها رقصت من عدلكم طربا.

 هذه المقدمة سقتها تعبيرا عن النفاق الفرنسي الذي سارع القول بوصف انفجار مرفأ بيروت الكارثي أنه حادث عرضي ليمارس سياسة التعتيم على الفاجعة، ثم يذهب رئيس فرنسا ماكرون ليواسي لبنان ويتفقد الشعب اللبناني أسرع من الطغمة التي تحكم السيطرة عليه، ماكرون اسم ٌ على مسمى حقا بمكره السياسي، هو يعلم تمام العلم ماهي حقيقة الانفجار وأهداف من يقف خلفه!

 إن منطقتنا المتداعية لا تستدعي دمارا أكثر مما هي عليه، وإذا شئنا تجاوز النتائج المرعبة للحدث سوف نصطدم بجدار من الركام لأنقاض السياسة الدولية المشتبكة على ساحتنا العربية. بمنظور مبسّط نستطيع أن نقرأ الواقع الإقليمي على أنه نتيجة تراكم أخطاء بدأت منذ احتلال العراق الذي نتج عنه حدوث فراغ سياسي كبير سمح لتيارات الإسلام السياسي أن تتدفق في ملئه. حيث لا يُمكن التغاضي عن تصريحات رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير عندما قال اثناء تقديم اعتذاره عن جسامة خطأ الحرب على العراق (لقد ذهبنا لتخليص شعب العراق من استبداد صدام حسين وسلمناه للإرهاب الطائفي). حسنا تفضل السيد توني بلير بتحمله المسؤولية، لكن هنالك نحو اربعين دولة ساهمت وشاركت بشكل مباشر في احتلال وتدمير العراق لم تقدم اعتذارها وتحمل مسؤوليتها عن هذه الجريمة التاريخية العظمى، بالمحصلة أثبتت النتائج الواقعية إن كل دول التحالف كانت تعمل لحساب مشروع التوسع الايراني الإرهابي سواء بهدف مدروس أو ارتكاب خطأ استراتيجي دولي. بيد أنه كان يُمكن اعتبار الاحتلال أمر واقع يُبنى عليه لولا هروب المحتل الامريكي  من تحمل المسؤولية خصوصا في عهد باراك اوباما، والجميع يعلم حينها إن الانسحاب الأمريكي سيؤدي الى ما هو أسوء من الاحتلال، وبالفعل نجح التربّص الإيراني ليطلق ميليشياته في الساحة العراقية، ثم ذهبت إيران الى أبعد من مسلسل السلب والنهب والتخريب وتصدير المخدرات والارهاب لتجعل العراق ساحة  تخزين  صواريخ ومنطلق  تهديد  كل دول المنطقة، ثم دفعت ميليشياتها لمضايقة قوات التحالف بإطلاق صواريخ  الكاتيوشا وحشد اتباعها في البرلمان العراقي في اصدار قرار اخراج القوات الامريكية بهدف الاستفراد بالشعب العراقي والانقضاض عليه. لكن الحقيقة التي يدركها نظام ولاية الرعب الايراني هي أن الخطر الأكبر الذي يهدد وجوده يأتي من الشعوب الثائرة ضده، وأن هذا النظام الارهابي يجيد لغة التفاهم مع الدول وخدعها وفق صفقات المصالح والاستثمار على حساب إفقار الشعوب التي يستبيح مقدراتها.

في قضية زيارة السيد الكاظمي إلى واشنطن وما تلاها من تحركات دبلوماسية واسعة في المنطقة، لا نريد أن  لا تذهب توقعاتنا أبعد من تقدير النتائج الواقعية ، حيث يجب أن نضع كل شيء في نصابه الصحيح ولا نندفع أكثر، الرجل لا يمكنه تجاوز حدود تكليفه المقيّد بالأجندة الايرانية داخل العراق، ولن يستطيع بأي حال أن يمضي في اتجاه يشكل خطر على مصالح إيران في العراق أو وجودها، المعادلة المنطقية الموجبة لجميع مساعي الكاظمي ونشاطه تتلخص بإنقاذ العملية السياسية من السقوط ومعالجة التردي الاقتصادي، لكن في الوقت نفسه الحكومة تعاني من الإفلاس والأزمات تتفاقم مع ضغط الشارع الذي قد يأخذ منحى متصاعد يصل الى حد الثورة العارمة، هذا هو الخطر الحقيقي الذي يُهدد إيران ودول المنطقة التي تخشى اتساع النيران لتصل إليها، اضافة الى تهديد مصالح الدول الغربية.

من دون أدنى شك، أن العراق ولبنان في عمق الهاوية وليس على حافتها، وإن جميع التحركات الدبلوماسية خاصة الفرنسية النشطة حاليا تهدف الى احتواء الخطر الداهم للمنطقة، وذلك لأن فرنسا أصلا هي عرابة النظام السياسي في لبنان وإيران معا ولن تسمح بأي تغيرات يمكن حدوثها مالم تلبي مصالحها وتنسجم مع طموحها الاستعماري، وذلك لأن الأفعى الخمينية أنتجتها مفقسة المخابرات الفرنسية، ومعروف على مستوى السياسة الدولية أن جاك شيراك وحافظ الأسد هم من جاءوا بالخميني بعد موافقة الولايات المتحدة الأمريكية طبعا، ولبنان حصة فرنسا ضمن اتفاقية سايكس بيكو المعروفة.  وعليه فإن تقاطع الأجندات الواضح للعيان حاليا في منطقتنا ينذر بخطر كبير، تركيا وروسيا وفرنسا ودول أخرى تستغل ضعف الدور الأمريكي بفرض نفوذهم لرسم واقع دولي جديد في منطقتنا.