حسين علي


إن جعل العلاقات طبيعية وبمنتهى السلاسة والود بين دولتين بعد فترة تكللت بالتوتر والقطيعة أو حرب شعواء التهمت كِلا الطرفان المتصارعان وليس فقط ذلك فقد تكون حرب إقتصادية أو حرب إعلامية وتبادل التهم والتراشقات عبر محطات الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي بواسطة جيوش إلكترونية، فبعد كل ذلك يجلس الطرفان على طاولة المفاوضات وجعل العلاقة يكتنفها الود والسلام وهذا ما يعرف بالتطبيع في كل دساتير العالم و بروتوكولات السياسة الدولية.
في السابع عشر من سبتمبر عام(1978م) وقع الرئيس المصري أنور السادات و رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن على اتفاقية كامب ديفيد بعد(12) يوما من المفاوضات السرية حيث تم التوقيع على الإتفاقيتين الإطارية في البيت الأبيض وبحضور وشهادة الرئيس الأمريكي جيمس كارتر ومن ثاني هذه الأطر هي (معاهدة السلام بين مصر و اسرائيل) التي وقعت هذه المعاهدة في عام(1979) كما نال كُلاً من الرئيس المصري والرئيس الإسرائيلي جائزة نوبل للسلام لعام(1978) مناصفة.
ومنذ دخول المعاهدة حيز التنفيذ أستمر السلام بين مصر و اسرائيل على الصعيد الدبلوماسي والاستراتيجي وفي إحدى المرات ذكر بنيامين بن إليعاز و وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق المعروف بعلاقته الوثيقة بالمسؤولين المصريين "أن مصر ليست أقرب صديق لنا في المنطقة فحسب وأن التعاون بيننا يتجاوز الإستراتيجي".
بدأت الولايات المتحدة بتقديم المساعدات الإقتصادية والعسكرية لمصر كجزء من الإتفاق.
حيث قدمت الولايات المتحدة الدعم للقوات المسلحة المصرية بمساعدات تزيد قيمتها على(38) مليار دولار إذ تتلقى مصر حوالي(1,3) مليار دولار سنويا و أستمر هذا الدعم منذ اتفاقيات كامب ديفيد للسلام في عام(1978) إلى عام(2000).
لم تكن هذه الإتفاقية الوحيدة التي وقعتها اسرائيل مع دولة عربية كمصر بل تبعتها اتفاقيات ومعاهدات مع دول عربية أخرى مثل اتفاقية أوسلو أو ما تسمى معاهدة أوسلو التي وقِعتُ بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في(13) سبتمبر عام(1993) والتي وقعت في العاصمة الأمريكية واشنطن بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون.
حيث سُميَّ الإتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية والتي جرت فيها المحادثات السرية عام(1991) وأيضا عرفت بمؤتمر مدريد.
حيث كانت متمثلة من الجانب الإسرائيلي بوزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز ومن جانب منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس وكما التزمت منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام والوصول إلى حل كل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع التي تجري في فلسطين بما فيها القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والعلاقات.
كما قررت حكومة اسرائيل أنه في ضوء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بأعتبارها الممثل لشعب الفلسطيني وبدء المفاوضات معها.  
وقد تبعت هذه المعاهدة المزيد من الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات مثل إتفاق غزة أريحا و بروتوكول باريس. 
أما اتفاقية أو معاهدة السلام التي جرت بين اسرائيل والاردن وتعرف بمعاهدة أو اتفاقية وادي عربة التي حدثت في(26) أكتوبر عام(1994) من خلال حفل تاريخي أقيم في وادي عربة شمال إيلات و بالقرب من الحدود الإسرائيلية الأردنية.
وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين و عبدالسلام المجالي المعاهدة بينما تصافح عيزر وايزمان والملك حسين وكان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون و وزير الخارجية وارن كريستوفر حاضرين أثناء توقيع المعاهدة، كما أُرسلت آلاف البالونات إلى السماء في ختام الحفل.
بعد هذا الإتفاق أصبحت الحدود الإسرائيلية الأردنية مشرعة أمام السياح والبضائع والعمال بين كلا البلدين وتهدف الإتفاقية إلى تحقيق سلام عادل و شامل ودائم في الشرق الأوسط حسب مقررات مجلس الأمن و أهمية الحفاظ على السلام والحرية والمساواة والعدل وكذلك إحترام حقوق الإنسان و إيمانها بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة في العيش بسلام بينهما ومع كافة الدول.
لم تقتصر الاتفاقيات وحدها بين العرب و اسرائيل ففي عام(1958) وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غورين و رئيس الوزراء التركي عدنان مندرس اتفاقية تعاون ضد التطرف و نفوذ الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط.
إن جمهورية تركيا و دولة إسرائيل ترتبطان بعلاقات اقتصادية وعسكرية جيدة.
ففي عام(1986) عينت الحكومة التركية سفيرا قائم بالأعمال في تل أبيب ثم في عام(1991) تبادلت الحكومتان السفراء على الصعيد الدبلوماسي.
لم تتوقف العلاقات إلى هذا الحد ففي فبراير و أغسطس عام(1996)
وقعت تركيا و اسرائيل اتفاقيات تعاون عسكري حيث وقع رئيس الأركان التركي الجنرال چفيق بير على تشكيل مجموعة أبحاث استراتيجية ومناورات مشتركة بين جيش البلدين ومنها تدريب عروس البحر والتي هي تدريبات بحرية بدأت في يناير(1998) وكذلك العملية أورتشاد التي هي تدريبات للقوات الجوية مشتركة بين البلدين.
إن اسرائيل هي المورد الرئيسي للسلاح لتركيا حيث تقوم دولة إسرائيل بتحديث الجيش التركي من دبابات وطائرات حربية.
أما اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وإسرائيل أصبحت سارية المفعول منذ(1) كانون الثاني يناير عام(2000).
في القرن الواحد والعشرين شرعت الإمارات العربية المتحدة بتوقيع إتفاق(تطبيع) سلام مع اسرائيل وتطبيع العلاقات الذي أسمته اسرائيل إتفاق إبراهيم حيث أعلن الإتفاق في(13) أغسطس(آب) (2020) وتضمنت الإتفاقية تسوية العلاقات بين البلدين وكذلك من ضمن الشروط أنه على اسرائيل تعليق اقتراحها ضم غور الأردن في الضفة الغربية، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفى تراجع اسرائيل عن خططها يضم الأغوار التي تقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث ذكر إنها لا تزال على جدول الأعمال وهي مجمدة حاليا.
الرئيس الأمريكي ذكر إن اسرائيل و الإمارات العربية المتحدة ستقومان بتطبيع العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل.
كما سيتم تبادل السفراء و يبدأ التعاون في جميع المجالات بما في ذلك السياحة والتعليم والرعاية الصحية والتجارة بالإضافة إلى الأمن.
إن من بنود الاتفاقية ستحافظ على إحتمالات حل الدولتين بين اسرائيل و فلسطين.
أكدت الإمارات أنها ستواصل دعم الشعب الفلسطيني والحفاظ على حقوقه.
ما أن أعلن عن الإتفاق إلا وضجت وسائل الإعلام ومحطات التواصل الاجتماعي بخير الإتفاقية بين مؤيد و معارض للاتفاق وكذلك الهالة الإعلامية التي تكونت وكأن شيء غريب وغير مألوف حدث على سطح الأرض كهبوط مخلوقات فضائية أو بسقوط نيزك ضخم يقدر عمره مليار سنه ضوئية.
إن العلاقات الإماراتية والإسرائيلية ليست وليدة هذه اللحظة المثيرة.
فالعلاقة الحميمة كانون مستمرة بالخفاء لسنوات عديدة وهذا لا يخفى على الجميع، ثم أتى اليوم المنشود وظهر إلى العلن هذا العرس التطبيعي الذي أقيم له حفل كبير في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان بمباركة من ترامب والذي كان الاشبين في هذا العرس المثير.
قبل حدوث الإتفاقية مع اسرائيل حضرت وزيرة الرياضة والثقافة ميري ريغيف في عام(2018) بطولة دولية للجودو في أبو ظبي وفي وقتها بكت الوزيرة عندما فاز لاعب إسرائيلي بميدالية ذهبية وعزف النشيد الوطني الإسرائيلي لأول مرة على أرض دولة عربية. 
إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أزمة معقدة أزمة سياسية واقتصادية حتى قضائية والتي ما إن ظفرت به فإنها ستقوده إلى السجن وكذلك الأزمة الاقتصادية التي تخيم على البلاد و إنتشار البطالة في اسرائيل والغضب الشعبي الذي يطوقه.
صفقة التطبيع التي حدثت بين اسرائيل والإمارات بمثابة سترة نجاة لنتنياهو للحيلولة من غرقه في الازمات التي تعصف به وتلاحقه.
ليس فقط نتنياهو يعاني بل حتى ترامب يواجه صعوبات جمة و ضغوطاً و بالأخص الأحداث الأخيرة التي اجتاحت أمريكا من حادثة مقتل جورج فلويد و المظاهرات التي خرجت في الشوارع وحتى جائحة كورونا والإقتصاد الأمريكي الذي يتراجع بين حين وآخر كل ذلك وقف عائقاً أمام مسيرة ترامب السياسية وتراجع حظوظه فيما إذا أراد الترشح لولاية ثانية لكن هذا التطبيع جاء على طبق من ذهب هدية لترامب لتعزيز حظوظه في الانتخابات الرئاسية القادمة وكذلك لكسب رضى اللوبي اليهودي المتواجد بقوة في الولايات المتحدة الأمريكية.
منذ وصول ترامب إلى سدة الحكم قدم الكثير والكثير لإسرائيل كنقل السفارة الأمريكية الى القدس و اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وووو، بالإضافة إلى أن مباركته لهذا التطبيع هو ما سيجعل الإمارات تقدم الدعم إلى حملته الانتخابية في سبيل الحصول على ولاية ثانية فهذا أيضا يصب في صالح الإمارات و دول الخليج العربي نظرا للظروف الراهنة التي تعصف في المنطقة العربية.
إن الأحداث المتسارعة التي تجتاح المنطقة والنزاعات المستمرة في سوريا واليمن ولبنان والعراق كل ذلك كون مخاوف كبيرة وقلق بالغ لدى الخليج و اسرائيل إزاء ما يحدث في الشرق الأوسط والمنطقة العربية خصوصا، بالإضافة إلى تزايد النفوذ التركي والإيراني في الدول العربية المجاورة للخليج و اسرائيل.
الإمارات في المنظور السياسي والتكنيك في علم الدراسات الإستراتيجية تعمل ومعها الدول الخليجية على تقوية دعائم المنطقة استراتيجياً إزاء ما يحدث من صراعات التي تكاد أن تضفي هذه النزاعات على الجزيرة العربية وهذا ما لا تتمناه الدول الخليجية.
فهي محاطة بهذه التوترات فمن هنا اليمن و العراق ومن هنا سوريا وحتى القاعدة التركية التي تحوي جنود أتراك في قطر ولا ننسى جزيرة طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى التي تبعد عن شاطئ الإمارات حوالي(43)كم أما جزيرة طنب الكبرى تبعد عن إمارة رأس الخيمة حوالي(30)كم فكل هذا يشكل قلقا بالغا لدى الإمارات و دول الخليج العربي، كذلك المشاكل التي تحدث بين حين وآخر في البحرين و واتهامات حكومة البحرين لإيران في إثارة النزاعات والمشاكل الطائفية بين الشعب البحريني.
كل المخاوف التي ذكرت آنفا هي مخاوف مشتركة مع اسرائيل بشأن التخبط والتوتر اللذان يحدُثان إقليميا.
فقد حدث هذا التطبيع بين الإمارات و اسرائيل نتيجة هذه المخاوف وفي الأيام القادمة ستحذوا دول خليجية أخرى حذوَّ الإمارات بل وحتى دول عربية للتطبيع مع اسرائيل و تحسين العلاقة معها ومع الولايات المتحدة الأمريكية.
ونحن رأينا كيف سمحت السعودية للطائرة الإسرائيلية بدخول اجوائها لتهبط فيما بعد في الاراضي الإماراتية بعد أن طُبِعت العلاقات بين الإمارات و اسرائيل.
تأثير التطبيع في المنطقة سيظهر عما قريب و ستتغير موازين القوى في المنطقة كما و ستتغير الكثير من الأمور التي كان لها تأثير واضح على أمن و واستقرار المنطقة ففتتاح السفارة الإسرائيلية لأول مرة في دولة عربية خليجية في خضم الصراعات الاقليمية ومن غير المستبعد إنشاء قاعدة استراتيجية و استخباراتية في الإمارات سيكون له تأثير كبير على تغيير موازين القوى في المنطقة على الملاحة البحرية.
كل ما سيحدث يصب في جانب الدول الخليجية و مصالحها و إضفاء صبغة الأمان على تاك المصالح.
لكن السؤال المبهم والذي يطرح نفسه
لماذا حدث التطبيع بعد حادثة مرفأ بيروت؟!
بعد هذا التطبيع الذي حدث بين الإمارات و اسرائيل وتقوية العلاقات بينهما على جميع الأصعدة
هل أنهت الإمارات احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية المحتلة؟
هل تراجعت اسرائيل عن ضم القدس و أجزاء من الاراضي الفلسطينية؟
وبعد هذا التطبيع 
هل اعترفت اسرائيل بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟
ماذا عن هدم البيوت على قاطنيها؟
ماذا عن مجزرة دير ياسين وكفر قاسم؟
ماذا عن الكثير والكثير؟!