علي السوداني


بدا الليل ثقيلاً طويلاً دبقاً منفّراً مثل شعرة نائمة ببلعوم ، حتى جاء الفرج وانفتحت الشاشة على واحدٍ من تلك الأفلام الرحيمة التي إن شاهدتها مرةً ، ظلت تلبط بذاكرتك حتى النهاية .

بطل السهرة المبهرة هو العبقري السبعيني روبرت دي نيرو صحبة الجميلة الثلاثينية آن هاثاواي والعنوان المعرّب هو المتدرب .

آن المزاجية عندها شركة صغيرة للأزياء ، وروبرت دعبله حظه نهاراً ليتقدم بطلب تشغيل عندها ، فتستقبله بجفاء وبقاموس من المفردات المزعجة التي لو رمتها عليَّ لرددتُ بسيل شتائم ثقيلة من تلك التي سمعتها أول مرة بمقهى صغيرة تصل اليها بدخلة يسيرة من سوق الغزل البغدادي الشهير ، وحيث تنتهي من شفط استكان الشاي فيها فسوف يكون بمقدورك البزوغ في خاصرة سوق الشورجة العتيقة ، ومن هناك ستشتري من دكان قاسم عرب أبو ياسر كمية من حب عين الشمس المحمص المملّح ، وهذه ستمنحك طاقة هائلة تكفي لمعاينة سبعين فلم هندي يظهر فيهم شامي كابور وهو يرعش على أغنية أجا أجا أجا .

ينتمي هذا الفلم الى الصنف الصالح للاستعمال البشري ، لكنه يهبط في بعض ثنياته الى حلول وبكائيات وحركات فائضة يقوم فيها العظيم دي نيرو بدور الناصح الذي كان عليه عبد السلام النابلسي وعبد المنعم ابراهيم ، لطمأنة عبد الحليم حافظ بأنه قاب ربع قوس من الفوز بقلب فاتن حمامة وشادية ولبنى عبد العزيز ورضا زينات صدقي وحسين رياض ، وفي الوقت الذي كان عليَّ أن أحزن وأشجن وأصمت وأحس بالحب وهو يبلل قلبي ، صرت أضحك بقوة سيارة ضخمة تنقل الجند من كراج علاوي الحلة وتشمرهم بنهر جاسم .

يعمل مع روبرت فضلاً عن آن البديعة ثلاثة شبان كانوا سبباً في هبوط النسغ الفني لشريط السهرة ، خاصة ذلك الواحد الذي يوحي لك وجهه بأنه قد أجهز قبل سبع دقائق على صحن عملاق من خيار ولبن وهرسة ربع كيلو ثوم وقد اتخذ موقع الهجوم عليك بسلة بوسات .

ثمة عاملة رائعة في المكان وظيفتها هي تدليك ظهور وأرجل وأكتاف العاملين ، وهذا أمر لطيف رفع من قوة الانتاج والدهشة والصبر الكثير .

أعجبت كثيراً بحفل تأبين الميت . كان التابوت مدهشاً وقد بدا لي مصنوعاً من نفس صنف خشب السرير التكمة الذي أهدته لأبي عمتي الجميلة أُم صبحي قبل ستين سنة ، وهذا المنظر أنقذني من الكدمات النفسية التي خلفها مشهد المتدرب الأرمل دي نيرو ، وهو يمسك ظهر آن الطري ، ويمنحها فرصة مريحة للتقيؤ بحاوية زبل منسية بظهر حانة .