مروان صباح الدانوك



اكاد اجزم بإنه يحب وطنه اكثر من نفسه، لديه وطنية لو وزعت على الكون، لساد الحب والإستقرار في ارجاء العالم، هو من أسس العراق دون غيره، وهو من جعل البلد مستقلاً رغم علاقته الكبيرة مع الأنكليز، لكنه كان يؤمن بإن بريطانيا هي الأقوى في العالم كله، لذلك رغب بمصافحة يدها دون لويها، خوفاً على يد الوطن ان تكسر، عراب العملية السياسية العراقية، انه الباشا نوري السعيد، رئيس وزراء المملكة العراقية الهاشمية.
لا يوجد في قلبه سوى المسامحة والحب ونبضات تنادي بإسم العراق، لا يعرف معنى للحقد، ولا يوجد في داخله يأس، مبتسماً مع الجميع، ومحباً للكل، حتى لإعداءه، يتغزل بكلامه، ولا يختار الا الكلام المعسول الممتزج بالضحك. شخصية سياسية ضحت بكل ما تملك لإجل الوطن، المسؤول الوحيد الذي كان يستأجر بيتاً؛ لعدم امتلاكه اياه، تعب كثيراً ونفي مرات عديدة خارج البلد، ولكن لا احد ينافسه على وطنيته، ولم يستطيع احد ان يكون بمكره ودهائه مع سياسة العالم، وإستذئاب الحكام والملوك، اول من نادى بوحدة العرب ولم شملهم، واول من اقترح بتأسيس جامعة الدول العربية وأسسها بالتعاون مع الجانب المصري، والحديث يطول كثيراً عن انجازاته.
عاصر اربعة ملوك، اسس الدولة العراقية مع الملك فيصل الأول، ولولاه ما أُسس العراق وبقي مهمشاً بإيدي الطامعين، وواكب من بعد ذلك الملك غازي، وتحمل اندفاعه الشبابي وبعض طيشه، وساير من بعده الوصي عبدالاله الذي اصبح ملكاً للعراق بعد وفاة الملك غازي، وتحمل غضبه وعصبيته لـ14 سنة من اجل مصلحة العراق، حتى الملك فيصل الثاني، الملك الشاب الطموح.
تسنم منصب رئيس الوزراء سبعة مرات، وفي كل مرة يكون اهل للمنصب، رغم كبر سنه في ايامه الأخيرة، واجه كل ما اطلقه عليه شعبه من سب وشتم وقذف بإبتسامات وضحك، نادوه بـ”القندرة” ولم يهتم لذلك، حتى اصبحت مقولة “نوري السعيد القندرة وصالح جبر قيطانة” انشودة يتغنى بها الجميع آنذاك، ولم يحزن عليها ابداً، حتى في احد الجلسات قال مازحاً: “شوكت اتحول قندرة قبقلي واخلص من القيطان صالح جبر” حين كان على خلاف مع صالح السياسي صالح جبر.
رغم كل هذا فقد قتل بدمٍ بارد، كان يدافع عن نفسه في اخر انفاسه بمسدسه، وقد قيل برواية ضعيفه، انه انتحر رافضاً تسليم نفسه، مات ومات الأمان والراحة ولم تعد ابتسامات لشعبه ولا ضحك ولا سعادة، قتله شعبه، ونبشوا قبره وسحلوه، واشلاءه تتساقط الواحدة تلو الأخرى في شوارع العاصمة بغداد، الشوارع التي بنيت على يده، ليلقوه في نهر دجلة، النهر الذي كان يحبه، الوحيد من وقف له هو هذا النهر، ليأخذه في قاعه ويحميه من الشعب الهمجي، شعب ناكر للجميل، ومنذ ذلك التأريخ، والى الآن، ونحن ندفع ثمن تلك المواقف السيئة، مرت 62 سنة على ذلك الموقف، ولم نتذوق طعماً للراحة، رحم الله الباشا نوري السعيد رئيس وزراء المملكة العراقية الهاشمية.