عبد الجبار الجبوري


لستُ متفائلاً، ولامعوّلاً، ولكنّني أقرأ السيناريوهات الامريكية والفرنسية في المنطقة، قراءة تحليلية وواقعية برؤية سياسية مستندا على ما يجري على الارض، من تحولات دراماتيكية وأحداث ،كلها تشي بوجود تغييرات جيوسياسية جذرية في منطقة الشرق الاوسط، مفتاحها التطبيع الإماراتي - الاسرائيلي، بكل تأكيد الدول العظمى وخاصة أمريكا والدول الاوربية لا يهمها، ما يجري في دول المنطقة، من صراعات داخلية على الحكم في ليبيا والعراق وسوريا واليمن ولبنان، بقدر ما يهمها ،ضمان شيئان رئيسيان ومصيريان، هما أمن الكيان الصهيوني والنفط العربي، والباقي كما يقول المثل العراقي الشعبي(نارهم تأكل حطبهم)،ولكن مصالح أمريكا وحلفاءها لا تتحقق، إلاّ باستقرار المنطقة أمنيا وسياسياً، واقتصاديا، وليس لسواد عيونها، ولقراءة المشهد السياسي، في منطقة الشرق الاوسط عامة ، والعراق خاصة قراءة تحليلية ورؤية سياسية واقعية لابد أن نأخذ الدور الامريكي ،وتأثيره على الأحداث الدامية، التي تجري في عموم المنطقة، وكيفية مواجهة التغوّل الايراني وميليشياته التي تعدُّ التحدّي الرئيسي لإدارة الرئيس ترمب ،خاصة في العراق فإدارة ترمب، وضعت الخطة(ب)، قيد التنفيذ، وأخذت تنفذّها على مراحل في العراق، وهي الانسحاب التكتيكي، أوالإنسحاب المموه لأنه ليس انسحابا مباشراً، وإنما تموّضع وإعادة انتشار واضح لاتخطؤه العين،،في المقابل أعطّتْ لمصطفى الكاظمي، تعهداً لدعمه حين الطلب، وحماية وجوده في السلطة ،حتى لو تطلب الأمر التدخل العسكري، كما أعلن وزير الخارجية ماك بومبيو، واشترطت عليه بزيارته الاخيرة لواشنطن تنفيذ عدة شروط ،مقابل هذا الانسحاب الذي يضمن للكاظمي – سكوت- أجنحة ايران في السلطة والبرلمان وفي مقدمة الشروط حل الحشد الشعبي ودمجه ونزع سلاح الميليشيات حتى لو تطلّب مواجهتها عسكرياً، وهو فعلاً ماضٍ بهذا، وتصريحاته وتلميحاته وتهديداته ،وإصلاحاته تؤكد هذه الحقيقة إذن إدارة ترمب تنفّذ سيناريو بطريقة ناعمة، دون مواجهة مباشرة، مع أذرع وميليشيات إيران في العراق، والدليل أيضا، هو– سكوتها- على تهديداتها وصواريخ الكاتيوشا ،التي تطلقها يومياً على سفارتها في بغداد ،أو العبوات التي تفجّرها على أرتال الجيش الامريكي المنسحب ،من المعسكرات العراقية وهكذا يتعامل الرئيس ترمب في سوريا، ولبنان وليبيا واليمن، سياسة المواجهة بالإنابة، ودعم الحليف بكل السبل وأولها الدعم العسكري فهل سينجح السيناريو الأمريكي.؟، والرئيس ترمب يعيش اياماً صعبة وحرجة، قبيل انتخابات مصيرية ،تحتّم عليه ،عمل كل مباح وغير مباح ،للفوز بولاية ثانية في البيت الابيض، حتى لو كانت استخدام القوة العسكرية هنا وهناك، تدعمهُ بقوة اسرائيل في حربه مع الميليشيات الايرانية، في كل من العراق وسوريا ولبنان، والتي تقوم بقصف مقراتها ،ومعسكراتها وقواعدها يومياً، دون أن تتجرأ الميليشيات الايرانية على الردّ، إذن السيناريو الامريكو يسير بنجاح كما هو مخطط له مع الكاظمي في واشنطن، الذي يلقى دعماً غير مسبوق ،من قبل جميع دول العالم بلا استثناء ،وهذا الدعم لم يحصل عليه أي رئيس وزراء عراقي ،منذ الاحتلال الامريكي ولحد الان، وهي حالة استثنائية ،في وقت تعيش فيه إيران الخصم اللدود لأمريكا واسرائيل( على الاقل في العلن)،أسوأ حالاتها في الداخل والخارج، في ظل اتفاق أمريكي- روسي على تحييّدها وعزلها، واتفاق صيني على دعمها عسكرياً وسياسياً، كما حصل في مجلس الامن الدولي مؤخرا إذن حتى لانشتت تفكير القارئ ،ونبعده عن أصل وهدف المقال، نقول أن الاستراتيجية الامريكية، للتحولات والتغييرات الجيوسياسية في منطقة الشرق الاوسط، لمواجهة التغوّل الإيراني، وأذرعه التي اخذت تهدد الجميع، بدعمها للإرهاب وإطلاق يدّ ميليشياته ان تعبث با من واستقرار المنطقة، وتهدّد بشكل مباشر مصالح الدول العظمى، بما فيها روسيا حليفتها قد بدأت وهكذا دخلت فرنسا بشخص رئيسها ماكرون على الخط، بشكل علني ومباشر وكانت شرارة الانطلاق الفرنسي هي الإنفجار المرعب الذي شهده مرفأ بيروت، حيث زار ماكرون المرفأ ، وإطلع على حجم الدمار الذي حصل له، وتجوّل في أرجائه، والتقى بالمواطنين اللبنانيين هناك وسط ترحيب نادر، ودغدغ مشاعرهم واعداً إياهم بزيارة ثانية ،متعهداً إعمار المرفأ ودعم لبنان بكل ما يحتاج، على شرط الاصلاح الحقيقي، وإبعاد لبنان عن الطائفية، وأحزابها الفاسدة ،التي تعتاش على الحسّ الطائفي والحكم الطائفي، وهذا شرطه الرئيسي لمساعدة لبنان، وهكذا عاد قبل أيام الى لبنان وقد تشكّلت حكومة كخطوة أولية من التكنوقراط رشحتها الاحزاب المتنفذة هناك، وكان ماكرون واضحاً وصريحاً، مع الرئيس عون، الذي يدعمه حزب الله، قائلاً في مؤتمره الصحفي( أن حزب الله يمكن ان يشارك في الحكم لأنه جزء من الشعب)، وبهذا أعطى ماكرون مشروعية لحزب الله في الحكم ،وهذا ما عارضته مباشرة أمريكا ،في تصريح سريع على دعوة ماكرون هذه، معارضة بشدة مشاركة حزب الله في الحكم (قبل نزع سلاحه)،وانتقل بعدها ماكرون للعراق والتقى بالرئاسات الثلاث معلنا من بغداد دعم فرنسا الاكيد لسيادة العراق وإعادة هيبته، ودعم حكومته بكل شيء، لمواجهة من يعارض السيادة وفرض الامن والاستقرار فيه ،ونزع السلاح الخارج عن القانون، مقدماً للعراق دعماً في مجالات الطاقة النووية والاسلحة، والمساعدات العسكرية اللوجستية، وإعادة العراق وهذا المهم الى الحضيرة الدولية (وإنهاء مشروع اللادولة)،نعم أصرَّ ماكرون على هذه الكلمة، منوّها أن لا يمكن أن يبقى العراق أسير اللاقانون واللادولة، مختطفاً بيد الإرهاب، مضيفا أن تنظيم داعش مازال يهدّد العراق بعودته، ولابد وللحفاظ على الامن العالمي من مواجهته في العراق والقضاء عليه، فكل من يدعم الارهاب علينا التصدي له ومواجهته كما نواجه تنظيم داعش، ملمّحاً على الاحزاب والفصائل الولائية الايرانية، أنْ تفهم الرسالة الفرنسية جيدا أن لا تسمح فرنسا وأوروبا، ببقاء العراق بيد الارهاب، ويقصد داعش، والميليشيات الإيرانية بكل مسمياتها ،هذه هي الرسالة التي سلمّها ماكرون لأحزاب السلطة وميليشياتها في العراق والمنطقة...