عبد الحميد الصائح


الصح  لايعني الحق بالضرورة،لاسيما في التحالفات السياسية ، مثلما الباطلُ الذي لايعني الخطأ في هذا الموضع ، هذه ابرز مؤشرات  أزمة الإسلام السياسي اينما تصدى للسلطة، في العراق أو تونس أو مصر او السودان وأي ساحة تكون فيها لعبة المصالح والمباديء متقاطعة ومحرجة في أغلب الاحيان، فالتَحالفُ مع الغريم و العدو قد يصح سياسياً لمناورات مرحلية واهداف مشتركة ، لكنه يقيناً يصطدم بالثابت الذي لايتغير. الانتماء الديني  لاشك يتيح الاجتهاد لكنه اجتهاد مشروط وضمن حدود  ينص عليها العهد العقائدي ، وهو عقد وعهد لاتبرر فيه الوسيلة للوصول الى الغاية ،لأن صلاحَ الوسيلةِ في الدين أمرٌ لاجدال فيه، لايمكن لك ان تسرق لتطعم الجياع، أو ترتكب الفاحشة من أجل عمل الخير، وعليه فإنّ مايحصلٌ من تقاطع بين الصحيح المتاح والحق المقيّد  يمثل سببا أساسيا في اصطدام الاحزاب الدينية مع جمهورها قبل مناوئيها وهي تدخلُ العملَ السياسي في بلدان مضطربة،  لان الاسسَ التي يصل الاسلاميون فيها الى قلوب الناس وعقول الشباب، تتمثلُ في تسويق منظومة معايير و قيمٍ عالية ، ثوابت صارمة تجعل من الانتساب والايمان بها  انتسابا أخلاقياً وليس سياسياً حسب ، فما أنْ ينهارَ ذلك فجأة اثناء الأداء السياسي ، من ضعف الدولة  واستشراء الفساد وانعدام الخدمات والتمييز الطبقي والمحسوبية في التقييم والتنصيب، والفقر وغياب  العدالة الاجتماعية .حتى تنقلب الصورة وتتشوّه ، ويصبح المجتمع الذي آمن بالخطاب السياسي مثل الأبناء الذين يكتشفون خداعَ آبائهم ، وعدم وفائهم بوعودهم، لاسيما حين يكتشف ازدواجية عمل تلك الاحزاب وفق المصالح بدل الثوابت ، ودخولها في تحالفات الصح والخطأ وليس الحق والباطل ، ليضعوا اياديهم بيد  شخصيات اتهموها بانها شخصيات مجرمة ، وبذلك وضعوا  تصور جمهورهم امام  احتمالين :  ، اما أنهم ظَلموا من اتهموهم ، او أنهم تصالحوا مع الشيطان وهو ما تسوّغه السياسة لكن الدين يرفضه صراحة . 
ولعل ذلك تكرر في تجارب الإسلام السياسي بالسودان وتونس بعد ماسمي بالربيع العربي وفي مصر والعراق – موضوعنا -. حيث فشل الاسلاميون في معالجة مشاكل معقدة في الدولة والنظام السياسي وتعاملوا بسطحية واضحة ، وذلك باحالتها كيفما اتفق الى منظمة القيم العامة التي هم أول من فرط بها، دون رؤيا علمية لمفهوم الدولة وعمل مؤسساتها ، الذي يتطلب منهجا عمليا للادارة ، منظومة القيم تتصل ببناء المجتمع  والثقافة العامة والترشيد الروحي ، لكن القضايا السياسية العليا ومنها ايضا الدولة المدنية والحقوق القانونية والالتزامات الدولية الاقتصادية والمالية وغيرها ، لايمكن معالجتها بهذا الترشيد ، بل من خلال موازنات واولويات سياسية.
 ولذلك ايضا عادة مانشهد تقاطعا بين الاحزاب السياسية  واداء اي رئيس للوزراء مهما كان بل احيانا يكون مرشحا من ذات الاحزاب ، وحين يوضع امام الاستحقاقات السياسية الدولية والشعبية تتراجع مصالح من جاءوا به وربما يكون رموزها امام المحاسبة يوما! فيبدأ ليّ الاذرع وكسر الإرادات وربما المواجهة المسلحة في بلد تحولت اغلب الأحزاب فيه الى أورام مسلحة تتجرأ على الدولة حين تَضرب أو تقصر في ضمان مصالحها على أقل تقدير،
لايمكننا بالتاكيد اجمال فشل الاسلام السياسي العربي والعراقي تحديدا في هذه المساحة ، لكننا إردنا الاشارة الى ابرز ركائز تلك الازدواجية التي لاتعني مذهبا محددا او دينا معيناً ،بل هي ازمة تاريخية ستكرر ذات النتائج ، الخاسرفيها  مصالح البلد العليا وسمعة الطبقة الدينية التي تتصدى للعمل السياسي وتفشل وتدفع للمواجهة مع أجيال غاضبة وشعب يرفض وجودها في الحكم بل يذهب الى عزل سلطتها وشخوصها عن  القيم التي ساقتها وخدعت الناس بها واساءت الى دينها وتعاليمه وسبله الاخلاقية المنضبطة .أما مكاسب ذلك التداعي وتلك المواجهات وانهاك المجتمع واضعاف الدولة ، فلاشك انها تصب في سلال الاعداء التقليديين الذين يرون العراق مبتهجين ، بلدا من الخرائب والتوتر وانعدام الامن وسبل المعيشة  تحيطه دول تنمو وتتطور، كانت قبل اكثر من نصف قرن تراه قبلة لها وقدوة ونموذجا تسعى الى ان تكون بمصافه.