عدلي صادق


ما أصعب مهمة الذين أشبعوا العربي تشنيعاً، حين يجدون أنفسهم مضطرين لقول كلام آخر، عن العربي الشجاع المتحضر الكيّس، عاشق السلام!
صورة نمطية للعربي
كان شمشون الأسطوري، من أقرب الأبطال إلى قلوبنا أطفالا. فلا يأتي ذكره، إلا مقروناً بصفته كجبار. أحببناه دون أن نعرف أصله وفصله، ومع مَن كان يخوض الغمار. وفي العام 1966 جاءنا إلى قطاع غزة، رجل قوي البنية من دبي، يلوي أطواق الحديد، ويمد ساقه لكي تتجاوز عنها عجلات السيارة الصغيرة. كان الرجل، يقدم عروضاً لكي يسترزق، وأطلق على نفسه اسم شمشون، سعياً إلى الرواج، وارتدى زياً بعُريٍ جزئي، يشبه عُري شمشون الأول. ظن الأطفال، أن ذاك العربي من نسل ذاك اليهودي المزعوم، الحاضر في الأسطورة دون سواها. ومن المفارقات، أنني تعرفت على الرجل في دبي، بعد نحو عشرين سنة.
في المقابل، كانت السينما الأميركية تقدم صورة نمطية للعربي كهمجي وشهواني وعدواني وجبان، كما فعلت في فيلم “الشيخ”، هو من أوائل إنتاج السينما الصامتة في العام 1921.
صورة سينمائية للعربي كهمجي وشهواني وعدواني صورة سينمائية للعربي كهمجي وشهواني وعدواني
والفيلم إيماءات تحكي قصة مكتوبة، عن شيخ عشيرة يخطف امرأة بريطانية مثقفة، فيجعلها واحدة من حريمه.
وترفض المخطوفة، ارتداء الثياب العربية التي تقيّد رحرحتها. ودون سبب مقنع، تقع البنت في غرام الشيخ الخاطف الهمجي والمتخلف. فقد اكتشفت أنه من أصل بريطاني أي من جنسها نفسه.
فالعربي في الرواية، لا يمكن أن يتأهل حضارياً، لكنها الراوية، لم تقل لنا كيف كان الشيخ من أصل إنجليزي، ومع ذلك أقدم على خطف ابنة جنسه، وضمها إلى الموطوءات من حريمه، وكيف كان له حريم أصلاً. هنا، تتحاشى الكاتبة البريطانية إديث هنديرسون، ذكر السبب المنطقي للغرام، وهو جنسانية الشيخ وفحولته. لذا اضطر طاقم الفيلم وصاحبة الرواية، إلى إنتاج فيلم رواية أخرى، بعنوان “ابن الشيخ”!
وفي العام 1949 كان لزاماً على الصهيونية السينمائية، بعد تأسيس إسرائيل، أن تتولى الفلسطينيين بالتشنيع، فأنتجت “شمشون ودليلة” وهو فيلم يجسد الرواية الأسطورية، التي كتبها أحبار اليهود في “سِفر القضاة” وكنا نتداولها صغاراً دون أن نتعرف على رمزياتها، أو أن نعرف أصلها، لا نحن ولا زائرنا من دبي!
دار الفيلم في كل أنحاء العالم، لكي يرسخ في مخيلة الناس، أن الفلسطينيين لم يتركوا مجالاً لشمشون، سوى دفنهم أحياءً تحت أنقاض المعبد، حتى وإن اضطر إلى الموت معهم، وأن يُدفن في غزة بجوار المطحنة. فالمهم هو أن يُخلّص جماعته من الفلسطينيين وأن يشعل ذيول حيوان ابن آوى، لإحراق محاصيلهم.
ما أصعب مهمة الذين أشبعوا العربي تشنيعاً، حين يجدون أنفسهم مضطرين لقول كلام آخر، عن العربي الشجاع المتحضر الكيّس، عاشق السلام!