عبدالهادي كاظم الحميري


ينقسم‭ ‬البشر‭ ‬بطبيعته‭ ‬على‭ ‬اتجاهين‭ ‬رئيسين‭ ‬في‭ ‬منظوره‭ ‬وأفكاره‭. ‬الاتجاه‭ ‬الأول‭ ‬يميل‭ ‬الى‭ ‬التحفظ‭ ‬في‭ ‬نظرته‭ ‬للأمور‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليه‭ ‬عادة‭ ‬بالمحافظ‭ ‬،والآخر‭ ‬يكون‭ ‬أقل‭ ‬تحفظا‭ ‬في‭ ‬نظرته‭ ‬للأمور‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليه‭ ‬بالمتحرر‭ ‬أو‭ ‬الليبرالي،‭ ‬وهناك‭ ‬مسميات‭ ‬أخرى‭ ‬للإتجاهين‭ ‬حسب‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬ودرجة‭ ‬التطرف‭.‬
أخذ‭ ‬الناشطون‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن‭ ‬مواقعهم‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الاتجاهين‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الديمقراطية‭ ‬العريقة‭ ‬ونشأ‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬حزبان‭ ‬رئيسيان‭ ‬يتنافسان‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬ويتبادلان‭ ‬السلطة‭ ‬بسلاسة‭ ‬ورحابة‭ ‬صدر‭ .‬الحزب‭ ‬الفائز‭ ‬يشكل‭ ‬الحكومة‭ ‬والخاسر‭ ‬يشكل‭ ‬المعارضة‭. ‬وهكذا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ (‬حزب‭ ‬المحافظين‭ ‬والعمال‭) ‬وأمريكا‭ (‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬والحزب‭ ‬الديمقراطي‭).‬
نجح‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬بامتياز‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬المؤلفة‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬شعوب‭ (‬الإنكليز‭ ‬والإسكوتلنديون‭ ‬والويلزيون‭ ‬والآيرلنديون‭) ‬وأمريكا‭ ‬المؤلفة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬تقريبا‭ ‬والهند‭ ‬المتعددة‭ ‬الأعراق‭ ‬والأديان‭ ‬والطوائف‭ ‬والتي‭ ‬تمثل‭ ‬أكبر‭ ‬ديمقراطية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬السكان‭.‬
بدأ‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬مسيرتهما‭ ‬الديمقراطية‭ ‬منذ‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬تقريبا‭ ‬ولكن‭ ‬النخب‭ ‬الفاعلة‭ ‬اختارت‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬المطاف‭ ‬طريق‭ ‬المحاصصة‭ ‬الطائفية‭ ‬والدينية‭ ‬والعرقية‭ ‬وتقاسمت‭ ‬زعامات‭ ‬هذه‭ ‬الطوائف‭ ‬والأديان‭ ‬والأعراق‭ ‬السلطة‭ ‬وأموال‭ ‬الدولة‭ ‬وأصبحت‭ ‬حصة‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬الوزارات‭ ‬والهيئات‭ ‬مصدر‭ ‬رزق‭ ‬زعاماتها‭ ‬وأماكن‭ ‬توظيف‭ ‬أتباعها‭ ‬وانعدمت‭ ‬المحاسبة‭ ‬على‭ ‬السرقات‭ ‬والفساد‭ ‬حيث‭ ‬تدافع‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬عن‭ ‬فاسديها‭ ‬وتتبادل‭ ‬التغطية‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬على‭ ‬الفاسدين‭ ‬وغير‭ ‬الكفوئين‭ ‬وفوق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬إستغلت‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬مربها‭ ‬البلدان‭ ‬وأنشأت‭ ‬قوات‭ ‬موازية‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الرسمية‭ ‬بتمويل‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬الدولة‭ . ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بإفلاس‭ ‬البلدين‭ ‬وعيش‭ ‬شعبيهما‭ ‬بلا‭ ‬كهرباء‭ ‬تحيط‭ ‬بهم‭ ‬النفايات‭ ‬والأزبال‭ ‬والمياه‭ ‬الآسنة‭ ‬فقراء‭ ‬مسكين‭ ‬عاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭.‬
ثم‭ ‬جاء‭ ‬أكتوبر‭ / ‬تشرين‭ ‬2019‭ ‬و‭ ‬خرج‭ ‬شباب‭ ‬البلدين‭ ‬يطالبون‭ ‬بحقوقهم‭ ‬واسترجاع‭ ‬استقلال‭ ‬وهيبة‭ ‬وطنهم‭ ‬غير‭ ‬ابهين‭ ‬بالقمع‭ ‬والقتل‭ ‬عندها‭ ‬استفاقت‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬وسعت‭ ‬الى‭ ‬احتواء‭ ‬الموقف‭ ‬وبحثت‭ ‬عمن‭ ‬يخلصها‭ ‬من‭ ‬المأزق‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬يتيح‭ ‬لها‭ ‬المجال‭ ‬لتسترد‭ ‬أنفاسها‭ ‬وبعد‭ ‬مخاض‭ ‬عسير‭ ‬جاءت‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بمصطفى‭ ‬الكاظمي‭ ‬والطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬اللبنانية‭ ‬بمصطفى‭ ‬أديب‭ ‬واصبح‭ ‬الأمر‭ ‬جلياً‭ ‬أن‭ ‬الطبقتين‭ ‬توأمين‭ ‬متطابقين‭ ‬في‭ ‬وضعهما‭ ‬وتفكيرهما‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أناقة‭ ‬وهدوء‭ ‬المصطفى‭ ‬منهما‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬التقط‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬أيضاً‭ ‬وبدأ‭ ‬يجول‭ ‬عليهما‭ ‬بنفس‭ ‬وصفة‭ ‬الدواء‭ ‬لعلاج‭ ‬الفساد‭ ‬والتبعية‭ 
بعد‭ ‬عمر‭ ‬ناهز‭ ‬الـ‭ ‬85‭ ‬عاما‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬عاش‭ ‬ظروف‭ ‬دولة‭ ‬لبنان‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭ ‬تقريبا‭ ‬يدعو‭ ‬الرئيس‭ ‬اللبناني‭ ‬ميشال‭ ‬عون‭ ‬الى‭ ‬انهاء‭ ‬المحاصصة‭ ‬وإعلان‭ ‬لبنان‭ ‬دولة‭ ‬مدنية‭ ‬ويقول‭:‬
‭”‬ان‭ ‬تحول‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الطوائفي‭ ‬السائد‭ ‬الى‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬العصرية،‭ ‬دولة‭ ‬المواطن‭ ‬والمواطنة،‭ ‬يعني‭ ‬خلاصه‭ ‬من‭ ‬موروثات‭ ‬الطائفية‭ ‬البغيضة‭ ‬وارتداداتها،‭ ‬وخلاصه‭ ‬من‭ ‬المحميات‭ ‬والخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬والمحاصصة‭ ‬التي‭ ‬تكبل‭ ‬أي‭ ‬إرادة‭ ‬بناءة‭ ‬وتفرمل‭ ‬أي‭ ‬خطوة‭ ‬نحو‭ ‬الإصلاح‭”.‬
إذا‭ ‬وصلت‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬الى‭ ‬مثل‭ ‬قناعة‭ ‬الرئيس‭ ‬عون‭ ‬فالأمر‭ ‬محلول‭ ‬والديمقراطية‭ ‬الحقة‭ ‬على‭ ‬الأبواب‭ ‬وهناك‭ ‬فرصة‭ ‬كبيرة‭ ‬أمام‭ ‬مصطفى‭ ‬العراقي‭ ‬ومصطفى‭ ‬اللبناني‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬البلدين‭ ‬الى‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬العصرية‭ ‬بصورة‭ ‬سلمية‭ ‬وبعكسه‭ ‬ستكون‭ ‬جميع‭ ‬الاحتمالات‭ ‬السودة‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬لبنان‭ ‬وشعب‭ ‬العراق‭ .‬