فائزة محمد علي فدعم


كانت مدينة بعقوبة في اوائل الخمسينيات تخلوا شوارعها من المارة ظهراً بسبب الحر الشديد . عدا قليل من الاطفال الذين يذهبون للسباحة في نهر خريسان . وكان هناك مسناية كبيرة مقابل دربونة الصيدلي عبد الوهاب الدباغ ( المسناية هي مكان او منخفض ينزل منه الاطفال للسباحة على النهر ) كنتُ اتوسل بأبن خالي حتى يأخذني لاتفرج والاهل مستمتعين بالقيلولة التي كان اهل مدينتي سابقا مغرمين بها . والاطفال يصحبون احد الاخوة او الاصدقاء لحراسة ملابسهم بعد خلعها وكان المزاح على اشدهُ عندما يأتي احد المشاكسين وبرميها في النهر وعندما نعود الى البيت هو يحمل السنارة لصيد السمك (شص) كنا نجد احد الضيوف وهم كثر والضيافة في ذلك الزمان كانت واجبا محتوما . كانت ام السيد عز الدين من اقارب الوالد تزورنا من قرية الهويدر والسيد گشاش واخته السيدة گشه من قرية بهرز والسيدة سليمة (ام سن الذهب ) من الحيدر خانه والعمة عمام اليهودية من بغداد والحاجة حنيفة تركية الاصل من بغداد ايضا والخالة ام كيلان بابان وبناتها والعمة رازقية اخت الوالد التي كانت قد اخذت العهد في الحجاز لتصبح اخته لانها الوحيدة وهو الوحيد لاهله وهي نعم العمّة وكانت تسكن قرب الامام العيدروسي في بغداد وغيرهم وغيرهم ٠ كان الضيوف يحبون بعقوبة ونذهب الى البستان للنزهة عصرا ونأخذ معنا المنقلة والفحم وعند الظهر نحضّر شرائح اللحم التي تتبل بالملح القليل والشطة ونقوم بتنعيمها بالجاكوج ( مطرقة ) مخصص لهذه الغرض وهذه الاكلة تسمى (الگلباسطي )

وناخذ معنا (الاصغرة ) وهي عبارة عن شبكة من الحديد لها ارجل تثبت على المنقلة لشواء اللحم والاضلاع وكان ابن خالي قاسم غناوي خبير في هذه العملية . يتناول الضيوف هذه الوجبة مع الشاي وخبز الشعير وفواكه البستان وهي متنوعة وكلٌ حسب رغبته . يمكثون عندنا يوم ايو يومين او عشرة حسب رغبتهم او حتى تنقضي اشغالهم وكنا نستمتع معهم جدا جدا وهي المتنفس الوحيد في ذلك الزمان وخصوصا فقرة سرد القصص ليلا وكانت البيوت تبنى سابقا ومعها دواليب من الخشب وسط الجدار والواجهة من الزجاج وهي جميلة جدا . وكان الاهل يقومون بتخزين المؤونة للضيوف وهي من ارقى المناشيء البغدادية للكشخة والتفاخر ومنها المكسرات بجميع انواعها من فستق بطم سسّي وجوز ولوز وحبة خضرة ومن الحلويات ارقاها والعصائر الطبيعية من جميع الانواع التي تحضر منزليا ونقوم بخزنها بطريقة حتى لاتتاثر نكهتها ابدا ونغلقها بسداد يسمى التبدور وفوقها خرقة نظيفة تشد على راس القنينة ٠

وكان من المعيب جدا ان يغلق اي دولاب في البيت والوالدة تخيفنا (لاتقربوا الدولاب لان فيه فأر ) وكانت لي صديقتان في مثل سني نخرج وقت الضحى بجوار الباب لنلعب ٠ ألامان كان سائداً في بعقوبة ولاتسمع حادثة الا ماندر وكانت واجهة دار السيد حسين السعدي (الاشچي ) ابو قاسم كبيرة . الان مطعم العافية ونقرأ على جدار البيت لافتة كبيرة نقرأها بصعوبة لصغر السن مكتوب عليها انتخبوا نائبكم طلعت الشيباني ونذهب لنلمسها ويظن الجيران اننا سنقوم بتمزيقها فيخرج خالي ويصرخ علينا ... لالالا ونهرب الى بيت السيد الحريري والد الست اديبة مُعلمتي في الاول ابتدائي زوجة السيد خليل النصار ابو ميسون ونبقى مختبئين عندهم حتى يغادر خالي .

نخرج مسرعين كل الى بيته وفي ١٩٥٤كانت هنالك شركة اجنبية تقوم بالاشراف على تبليط الشوارع والعمال يحفرون حفرة كبيرة يغلى بها القار يخرج منها الدخان الاسود بكثرة وكنا نخاف ونصطف على خريسان نحن وباقي الاطفال للفرجة فجاء احد المشرفين الاجانب والتقط لنا صورة جماعية بعد ان وضعني امام الاطفال (في الصدارة )لاني كنت نظيفة ومرتبة ولدي ظفائر في نهاياتها اشرطة جميلة وكان الوالد دائما يقول ان الصورة نشرت في الخارج . لكن اين ؟

لاادري كنت ... لاني لم اكن اهتم بتلك المواضيع وكنا يوميا عند الظهر انا وصديقاتي نتسلل خفية الى غرفة الطعام ونفتح الدولاب لناكل مالذ وطاب وفي احد الايام جائنا ضيوف وذهبت والدتي لتخرج من الخزين وتقدمه لهم فلم ترى الا الشيء القليل فقالت لي معاتبة اين أل ... ؟

فقلت لها بسرعة بديهة ... لقد اكلها الفأر

الذي كنت اتلصص يوميا ولاأراه ورغم اني اخاف منه

الا انني شاركته الطعام