إبراهيم الزبيدي


في أعقاب كل إهانة مدوية من هذه الإهانات لا يرد النظام الإيراني بغير الكلام الفارغ والتظاهر بالصبر، والحكمة، وانتظار الوقت المناسب الذي لا يأتي أبدا.

النظام الإيراني هيكل عظمي هزيل وجبان أمام إسرائيل

نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن بروس رايدل، وهو مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية ولديه تجربة في العمل مع إسرائيل، قوله “إن هناك حالات قليلة يُظهر فيها بلد ما قدرات مماثلة للضرب بهذه الدقة في عمق دولة أخرى من ألدّ أعدائها”.

وقال كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران، في بيان رسمي، إن إيران “سترد بطريقة مدروسة وصارمة على الجناة الذين حرموا الشعب الإيراني من وجود الشهيد محسن فخري زادة”.

والحقيقة هي أن اغتيال محسن زادة، بالطريقة الفريدة الجديدة التي تم بها، وفي التوقيت الذي اختير لتنفيذه، هو إهانة كبرى تضاف إلى سلسلة الإهانات التي توجهها إسرائيل ليس للشعب الإيراني ولحكامه فقط، بل لكل جوقة الجعجعة الفارغة الهاتفة بالجهاد، والمنادية بمحو إسرائيل من الوجود.

ففي عام واحد تلقى نظام الولي الفقيه المئات من الضربات الإسرائيلية الموجعة في سوريا ولبنان والعراق، وفي إيران ذاتها. دون الحاجة إلى الحديث عن الضربات الأميركية القاتلة والعقوبات التي أهلكت الزرع والضرع، وآخرها اغتيال قاسم سليماني الذي قصف ظهر النظام.

فلم يتوقف الاستهداف الصاروخي الإسرائيلي لمعسكرات إيرانية، ولم تنقطع أخبار اغتيال قياديين بارزين في الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية في سوريا ولبنان وفي إيران ذاتها.

وفي أعقاب كل إهانة مدوية من هذه الإهانات لا يرد النظام الإيراني بغير الكلام الفارغ والتظاهر بالصبر، والحكمة، وانتظار الوقت المناسب الذي لا يأتي أبدا. والظاهر أن النظام الإيراني خائفٌ من غضب إسرائيلي أكبر وأخطر، إن هو تجرّأ وأقدم على مغامرة انتقام تعيد إليه ولو قليلا من هيبته التي فقدها أمام مواطنيه ومناصريه الآخرين.

كما أن هذا الإحجام عن الرد يؤكد لأهل النظام، قبل خصومه من الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين والسوريين والفلسطينيين واليمنيين، أنه هيكل عظمي هزيل وجبان أمام إسرائيل التي تصول، وحدها، وتجول في المنطقة، وتقصف وتحرق وتغتال، ولا من مجيب.

والحقيقة هي أن القوة العالمية الضاربة لا تملكها سوى الولايات المتحدة وإسرائيل. وثابت أن أصحاب هذه القوة، الأميركيين والإسرائيليين، أصدروا قرارهم غير القابل للاستئناف أو النقض بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، لا اليوم ولا غدا ولا بعد عمر طويل.

إذن فعلامَ يعاند النظام الإيراني ويصر على المكابرة التي نتيجتُها تجويع نصف الإيرانيين، وإفقارهم، وإرسال المئات من أبنائهم إلى الموت بالمجان في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن، وسفكُ دم الذي يرفض منهم هذه السياسة الفاشلة المؤذية؟

ففي كل عام، وكل شهر، تُخرج البطالة والفقر مئات الآلاف من الإيرانيين في مظاهرات حاشدة هاتفين مردّدين “الموت للدكتاتور”، ثم يسقط منهم كثيرون قتلى أو جرحى أو معتقلين.

فالجائع لا يصبر على جوعه طويلا، والمظلوم لا يسكت على ظلمه كثيرا. والتظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات، في كل أحوالها، استفتاء شعبي عفوي ليس على سياسات النظام فقط، بل على وجود نفس النظام، قبل كل شيء آخر.

وقد اعترف أكثر من مسؤول كبير في النظام نفسه بأن ما يقرب من خمسة وعشرين مليونا من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر.

ويعتقد الكثير من الإيرانيين أن وضعهم الاقتصادي لم يتحسن، بفعل سوء الإدارة والفساد، مع كوارث العقوبات الأميركية الخانقة التي يتسبب في فرضها، وتصاعدها، عدم تراجع النظام عن مشروعه النووي، بعد كل ما كلف البلاد والعباد.

المهمّ هنا أن المرشد الأعلى علي خامنئي وقادة نظامه الكبار، وخاصة العسكريين المقربين منه، كثيرا ما كانوا يتباهون، بمناسبة ودون مناسبة، بأنهم موجودون في العراق وسوريا واليمن وفلسطين، لكي لا يحاربوا أعداءهم في داخل إيران ذاتها. وها هي الحرب الجديدة، بأساليبها المبتكرة، تدخل إلى عقر دار الخليفة الإمبراطور.

فهل يكفّ عن الكلام الممل عن الكرامة والسيادة والجهاد ومحو إسرائيل، ويرضخ لإرادة الأقوياء، فيخرج شعبه من واقعه المرير، أو أن يكون شجاعا وعزيزا وجريئا، ولو مرة واحدة، فيُعاجل إسرائيل بضربة معلّم إيمانية ربانية كاسحة ماسحة فيزلزل كيانها ويقرّبها من يوم فنائها الموعود، فيريح ويستريح؟