فاروق يوسف


ما يُقال من أن اللبنانيين أحرقوا مخيما للسوريين فإن ذلك كلام ليس صحيحا، يُراد منه القول إن اللبنانيين شعب عنصري. ذلك تبسيط لوضع إنساني شديد التعقيد وأصعب من أن تمثله حادثة قد تتكرر في أي لحظة.

ما حدث لمخيم بحنين شمال لبنان أظهر بشكل فجائعي خفايا علاقة بين شعبين لا يعيشان وضعا إنسانيا سويا. فاللبناني الذي يعيش في بيته يمكن أن يلتحق بالسوري الذي يعيش في خيمته البلاستيكية في أي لحظة.

ذلك ما يمكن أن تبينه قراءة سريعة للأوضاع السياسية والاقتصادية المزرية التي يشهدها لبنان منذ سنوات طويلة وصارت تتجسد عبر الوقت من خلال انهيارات مستمرة تنعكس على الأوضاع المعيشية للفرد العادي.

لذلك فإن العنصرية وهي الدافع الذي يُقال إنه يقف وراء تصرف طائش قامت به قلة من شباب لم تجد أمامها وسيلة للانتقام من السياسيين اللبنانيين الذين أسقطوا لبنان في الهاوية ليست سوى تصعيد لخلاف شخصي إلى مستوى العقاب الجماعي.

وإذا ما عدنا إلى الواقع فإن الشعبين اللبناني والسوري يواجهان عقابا جماعيا، ليس هناك اتفاق على مصدره أو الجهة التي تمارسه. لقد سلم العقاب الجماعي الشعبين إلى حروب داخلية لا يمكن توقع أن تنتهي بمجرد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا أو غياب حزب الله عن الساحة السياسية في لبنان.

ما فعله حزب الله على سبيل المثال في لبنان وسوريا على حد سواء لا يولي احتراما لكل ما ورد من شعارات فهو داس في سوريا على السوريين مثلما داس على اللبنانيين في لبنان

المشكلة أكثر تعقيدا من أن يتم تلخيصها بعنصرية شعب إزاء شعب آخر. ولا يمكن أن تُحل برفع شعارات الأخوة والعيش المشترك والتذكير بأن لبنان هو جزء من سوريا الكبرى.

ما فعله حزب الله على سبيل المثال في لبنان وسوريا على حد سواء لا يولي احتراما لكل ما ورد من شعارات فهو داس في سوريا على السوريين مثلما داس على اللبنانيين في لبنان.

وهنا يمكن القول إن هناك تشابها في القدر بين الشعبين.

وإذا ما عدنا إلى المشكلة بطريقة واقعية فإن لبنان وهو بلد صغير محدود الموارد دفعته ضائقته المالية التي نشأت بسبب فساد سياسييه إلى حافات الإفلاس قد كان كريما إلى درجة لم يتوقعها أحد.

كما أن السوريين وهم شعب كريم قد تحملوا تجليات تشردهم في لبنان بطريقة أسطورية فكانوا عباقرة في اكتشاف الطرق التي تحفظ كرامتهم وفي الوقت نفسه كانت غالبيتهم حريصة على ألا تصطدم بصفات الشخصية اللبنانية. لم يذلوا أنفسهم ولم يجرحوا الآخر الذي يستضيفهم.

ولكن شعور الضحية يظل أكبر من أي نية لضبط الانفعال حين يتعلق الأمر بالحق. لذلك كان الصدام متوقعا في بلد يعاني شبابه من البطالة ويزداد عدد فقرائه بين السكان الأصليين وينعدم كل أمل.  

لم يستقبل لبنان الرسمي السوريين اللاجئين إليه إلا بوجه مكفهر. فحزب الله يكره هذه الفئة التي فرت من سوريا بسبب الحرب التي كان ولا يزال طرفا فيها. لقد اعتبرهم أعداء له أو من الفئة التي يمكن أن يشكك بوطنيتها.

غير أن السوريين تسربوا إلى لبنان. أثرياء وفقراء. معارضين ومستقلين. سياسيين وباحثين عن لذة العيش. صار السوريون حقيقة في بلد يتجه إلى الانهيار. وحين وصل ذلك البلد إلى الانفجار كان السوريون جزءا من تلك الحقيقة المرعبة والمحزنة في الوقت نفسه.

كان عدد السوريين الذين قُتلوا في انفجار مرفأ بيروت أكبر من عدد اللبنانيين. لا لبنان ذكرهم ولا سوريا. لقد مرت الأخبار عليهم كما لو أنهم لا يملكون أسماء ولا عوائل ولا ذكريات.

ما جرى في شمال لبنان لم يكن يعبر عن نزعة عنصرية لدى الشعب اللبناني الذي صار ضحية لعنصرية يمارسها نظام يقوده حزب الله بطريقة لا تفرق بين اللبناني والسوري اللاجئ الذي يعتبره الحزب عدوا

سيكون على لبنان الرسمي أن يعتذر يوما ما عن تلك الفضيحة.

ألم يكن ذلك نوعا من العنصرية حين يكون إحراق مخيم بحنين عنصريا؟

ما جرى في شمال لبنان لم يكن يعبر عن نزعة عنصرية لدى الشعب اللبناني الذي صار ضحية لعنصرية يمارسها نظام يقوده حزب الله بطريقة لا تفرق بين اللبناني والسوري اللاجئ الذي يعتبره الحزب عدوا.

لقد دخل الشعبان بسبب سياسة حزب الله في الجحيم. الضيف والمضيف هما في الموقع نفسه. ولأن اللبنانيين قد استضافوا السوريين بكرم فإنهم صاروا أعداء للمقاومة.

يكره حزب الله السوريين في لبنان ويقصفهم في سوريا. ما هذه المعادلة؟

ليس صحيحا الحديث عن عنصرية اللبنانيين. الصحيح أن الجميع وقعوا ضحية لعنصرية مبيتة.

فإذا كانت أقلية من اللبنانيين قد أحرقت مخيما للاجئين السوريين فلأنها كانت مدفوعة بالرغبة في الانتقام من النظام الذي يقوده حزب الله الذي يقف مع النظام السوري.

لقد اختلط الأمر على الرعاع فتصرفوا بطريقة تسر حزب الله.