علي السوداني


وهذا واحد من أخبث وأقذر وأدهى أساليب الغزاة والمستعمرين وعمره كما أرى لم يتجاوز المائة سنة بعد . يهرم ويكبر رئيس أو وزير أو عسكري كبير أو جاسوس أو صاحب دكان استشارة ونصح ، فيجلس ببيته الفخم ويفرش مائدة الورق أو شاشة الألكترون وينزع عنه آخر ذرة ضمير وآدمية ويبدأ بكتابة ما يسمى في المصطلح الدارج مذكراته وسنواته في الحكم .

ستكون مساحة الحقيقة في الكتاب أكبر من مساحة الكذب والتزوير ، وذلك من أجل استغفال الهدف وتضليل القارىء واحتلال عقله بيسر ، وعندما يضع نقطة النهاية ويقوم بإرسال هذا المنتج المريب الى دار نشر مشهورة ومؤثرة لطبعه وتسويقه وترويجه وترجمته الى لغات الضحايا المستهدفين ، تبدأ عمليات الدعاية والإعلان والإشهار بعملها وتوحي للمنتظرين الصابرين وغير الصابرين بوجبة معلوماتية دسمة وفاخرة وتأريخية ، وهنا لا أحد سيسأل عن درجة المصداقية والسند والبرهان ، لأن المذكراتي الشيطان قد عمد في الجزء القليل من كتابه وهو القسم الأهم ، إلى ذكر وشرح وقائع وحوادث غالباً ما يكون أصحابها قد شبعوا موتاً وامتلأت أفواههم وأجوافهم بدود القبور والنسيان ، فكلما تعتقت مدافن أبطال الحكاية ، شعر الكاتب بحرية أوسع لإنتاج الكذب وإدعاء البطولة والشرف !!

سيصدر الكتاب بطبعة فخمة وستتم ترجمته وستزق السوق بكميات هائلة منه وسيقبض الزعيم المؤلف ودار النشر عشرات ملايين الدولارات الدسمة ، وسيتحول كتاب مذكراته الصادقة والكاذبة في آن واحد الى مرجع يستعمله الخصوم والمتناطحون في الدول الأخرى كل بالطريقة التي تنفعه في عمليات التسقيط والتشهير المتبادلة ، فبمقدور واحدهم أن يتهم آخراً بالخيانة او السرقة او المساهمة بشن حرب أو عملية قتل ، فإذا انكر صاحبه واستنكر ونفى وغضب ، قام هذا القارىء العدو باشهار كتاب المذكرات بوجه خصمه وقال له انك سارق ومرتش وفق ما جاء في الصفحة التسعين من كتاب مذكرات كيسنجر او اوباما او هيلاري كلنتون او دونالد ترامب في المستقبل القريب !!

مشاعل الفتنة والتزوير واشعال الحرائق بهذا الاسلوب الممنهج والمدروس تشبه ما تقوم به دكاكين وتلفزيونات العرب المشهورة المرتزقة التي لم تشبع حتى الآن من دماء الأبرياء ، فهذه ان هاجمت واحداً او دولة قالت ان هذه الدولة او الفرد سيء وشرير والدليل هو ما جاء في مقال نشرته صحيفة ها آرتس الصهيونية او التايم الامريكية او الغارديان البريطانية ، أو من خلال اجراء لقاء تلفزيوني مدفوع الثمن مثل اعلان عن بضاعة ، بل وصل الأمر بهذه الفضائيات السافلة الى تنظيم مظاهرات مضادة والدفع في هذه الحال سيكون على قدر قوة الهتاف وهز المؤخرة والأرداف !!