من عاصمة الرشيد – بقلم : علي الجنابي
أيُّها النّاسُ, إنَّ سيّدَ بغدادَ وسيد الأرضِ:هارونُ الرّشيدِ يتحدّثُ الآن اليكمُ, فألقوا السمعَ ؛
الحمدُ لله رب العالمين المالك المليك, والصلاةُ والسلامُ على سيّدي رسولِ اللهِ , وبعد:
إخوةَ الإسلام:
أنا الهاشميُّ هارونُ الرشيد, وقد تَرَاءَى لمَسمعي أنَّ قَبصَةً من حملةِ الأقلامِ منكمُ مِمّن رَتعوا ويرتعونَ في أدغالِنا وإدغالِ أرضِ الرومِ, قَذفوني بعدَ ألفٍ ونصفٍ من مثلها منَ الأعوام, بِجنَايةِ نعتي لملكِ الرّومِ ب(كلبِ الرّومِ)!
وإنّي إذ أعلنُ براءتي من ذاكَ التجني, ولستُ ملزَماً لإعلانها, وأنّيَ إذ أرى ذواتكُمُ قد زاحت ونَأت عمّا هو أصيلٌ, وأنفسُكم قد صاحت ونَهَت عما هو نبيلٌ, وضمائرُكم وقد ساحت وإرتأت كلِّ ما هو دخيل، إذ أجدني مضطراً لتبيان سرِّ هذا الوصفِ لكم أجمعين.
تعلمُنَّ أيُّها النّاسُ - وما أراكم إلا نسيتموهُ – أنَّ بندَاً في دستورِنا ينصُّ أنّهُ ( كيفما تكن يُوَلّ عليك), وإذاً ..
لمّا كانَ مَلِكُ الرّومِ زعيماً لأممٍ نَبَذَت لسانَ بيانٍ لكتابٍ من السّماءِ عزيزٍ مُعجِزٍ ومهيمنٍ وأستَحَبَّت رقصَ إلسنةِ الكلابِ أللاهثة, إذاً, فأولئكُم همُ أممُ كلابٍ لاهثةِ, ولابد لهُمُ من زعيمٍ من جنسِهُمُ: كلبٌ باسِطٌ ذراعيهِ على دفتي العرشِ يلهثُ, فلا تلوموني - يا بئسَ سَلَفٍ ويا بني آخر خَطفةٍ للزمانِ وداخر نُطفةٍ للمكانِ – ولا ترموني بنبالِ الغطرسة, ووبالِ العجرفة, وأنّي لسيّدكم ذو الهيبةِ والملكوت, وسأرمي عليكم تفصيلَ موجِباتِ الوصفِ, فهاكمُوها مبينَّةً مبَيِّنةً وجَليّةً ومِن عُرفِ سورةِ (الأعراف) للذكرِ الحكيمِ, فتأدَّبوا وإلزموا غرزَكم, فلا قولَ بعدَ قيلِ الأعراف, تحت عباءة (تعانقِ الأديانِ وحوارِ الحضاراتِ).
ماكانت الحضاراتُ طرفةَ عينٍ وعبر التاريخ كُلّه متعانقةً متوادعةً, بل متخانقةً متخادعة!
إسمعوا وعوا أيها المُتَيَّمون بماء “السين” و المُخَيِّمون بباء “برلين”:
مثلُ زبور الله ونبضاتِ أبنِ آدم, كمثلِ نجمةٍ في سماءٍ وكواكبَ خُنَّسٍ, فترى الفؤادَ إن غَشيَهُ سنا الآياتِ شعَّ نوراً وأضاء صدرَهُ منها بقَبَس, وإن تَفَلّتَ من أفلاكِها، تراه عشا وعشعشَت فيه (نوباتُ لهاثٍ) بلعابٍ بئيسٍ فرَكسَ, فَتراهُ كالكلبِ يلَهَثُ إن قام ، ويلهثُ إن جلس !
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث..}.
أفَعَلِمتمُ الآن سِرَّ وصفِيَ ل(كلبِ الرومِ) ؟ ليس بعد..
إعلموا أنَّ الأبصارَ لم ولن تُبصِرَ أبد التاريخ لوحةً أذلّ من لوحةِ كلبٍ يَلهثُ, ألا وإنّ اللهاثَ هو لُغَةُ الرّجالِ السُذَّجٍ الخُدَّجٍ, بتَذَلّلٍ وتسوّلٍ، ببلاهةٍ وبلادةٍ، بنَصَبٍ وتعَبٍ، بسَفَهٍ وتيهٍ وعَمهٍ, لغةٌ حروفُها هي اللهثُ حينَ التأوَّهِ من جوعٍ, وصروفُها هي اللهثُ حينَ التأففِ من شبعٍ، وتراثُها قَذَرَةُ من لعابِ دناءةٍ, وشهوةٍ مابَرِحَ عن اليمينِ وعنِ الشمالِ سَيّالاً أبد الدَهر. ألا وإنَّ لوحةَ الذُلِّ هذهِ قد أُحكِمَت على أمَمٍ مِمّن معكمُ في الأرضِ, ثمَّ فُصِلَتْ عليهمُ تفصيلاً وبجَهَر.
تلكم أممٌ أوتُوا الآياتِ فانسلخوا مِنها, وأنكَروا دينَ محمدٍ وإستَهجنُوهُ حين سعيهم وحين السهر, فَخُتِمَ على جِباهِهم وجنُوبِهم وظهورِهمِ بوسمِ الّلهث والعهر، فكلُّ فيهمُ يَلهثُ فرداً كانَ، أم كان أمّةً ما مَرَّ بدرٌ في شهر, وهلِ الشّعوبُ والقبائلُ إلّا مَجمَعُ أفئدةٍ مابينَ نسبٍ وصهر، تعارفتَ فجمّعَتها تجارةٌ عندَ مجمَعَ بحرينِ، أو زراعةٌ عندَ ضفَتي نَهر.
تلكُم أممٌ خَبَثٌ، وهكذا هي نظرةُ أهلِ السّماءِ عليهمُ فلا يُقيمُونَ وزناً لزُخرُف حُدَيداتِ (إيفلَ) وحِبالِ (كولدن كَيْت) ولا قدر, وإنَّ أهلَ السّماءِ لَناقِمون عجباً مِمّن ظَنِّ منهم أنَّهم باتوا قادرينَ على الأرض وعن بارئِها مستغنينَ بِفَخر.
أولئكَم همُ الأممُ العَبَث, أممُ كلابٍ لاهثةٍ, قد جُعِلوا مثلاً لمن كذّبَ اللهَ وكذَّبَ بآياتهِ و{ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }. فَتَفَكَّرُوا يا من وَدَدّتُم أنّ غيرَ ذاتِ الشوكةِ أنّها لكم دون سعيٍّ ولا بصر.
إنّهم الأممٌ الشعث، تراها لاهثةً حينَ تُمسي، وفي صُبحها تلهثُ! وإن كانت غنيةً ممتلئةَ حواياها تلهثُ، أو مُعدمةً خاويَةَ المعيَّ تلهثُ. أبصارُها لاهثةٌ إذ هي شاخصةٌ صوبَ شاشةِ بورصةٍ, وإذ هي فاحصةٌ شاشةِ حركةِ طيرانٍ تلهثُ!
أممٌ خَنَثٌ، إن مَلكَت قوةً وخيلاً تراها رغمَ جبروتها بلعابِها تلهثُ، وإن دَلكَت في الهوانِ بلعابِ الخنوعِ تلهثُ.
أممٌ رَفَثٌ, في عَرقِها وأرقِها الرّاجفِ وحين تسرقُ تلهثُ، وفي ألقِها وعبقِها الزائفِ وحينَ تبرقُ تلهثُ.
أممٌ كَذّابةٌ بحَنَث , منافقةٌ بِلَوَث, أفّاكة عَبَث, أنكروا الإله وشتموه بالثُلث! ألا بُعداً لهم من أممٍ عَبَث.
ألا وأسفاً لخَلَفٍ من بعدي حدَث, ممن خَشَعَ ساجداً ل(إيفلَ) ول(كولدن كيت) لوهنٍ في ذاتِهِ وضَغث, فجَنَحَ لتقليدِ لهاثِهم فانسلخَ من الآياتِ ومن دستورِ محمد وما إجتهد وما بَحَث , فظلمَ نفسَهُ ولميثاقِ الإلهِ نكثَ, و{سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}.
أسفي..
قد أنقطعَ التيارُ الكهربائي في دارنا وصمتَ تلفزيوننا عمّا كانَ فيه من بثّ!
لا ضير، فقد قال الرشيد كلمته …
(أيُشْعِلُ نيرانَ التَّطاحُنِ غاشمُ ويَغفل عن نشرِ الحقيقة عالمُ؟
هلمَّ يراعي! ولتكنْ أنتَ شعلة تُضيء سبيلَ الرُّشدِ فالرشدُ ناقمُ
لقد كثر العُمْيُ الذين تهافتوا على أن يشقُّوا النَّهجَ والنَّهجُ قاتم
ولو أنهم أُعطوا الضياءَ تعثروا فما تنفع الأضواءُ واللحظُ نائمُ
وما حظُّهم من ثروة حين حالُهم كحالِ فقيرٍ في يديْه الدراهمُ؟
ولو أنَّهم هبُّوا إلى الخير مرةً مع الحِلْمِ لم تعبث بمصر المظالمُ)- لقائله.
0 تعليقات
إرسال تعليق