بقلم: أستاذ الفكر السياسي

الدكتور: أنمار نزار الدروبي



توطئة:


كانت العلاقات الدولية خلال عصر الدبلوماسية القديمة والتقليدية توكل إلى صفوة من الرجال المختارين التي تتفاوض وتقرر سياسات بلادها وعلاقتها. وهو ما تغير في ظل نظم الحكم الديمقراطية، حيث أصبح الرأي العام، والتعددية الحزبية، إضافة إلى ثورة الاتصالات والمعلومات، والطاقة، والمياه، والهجرة، والبيئة، ومقاومة الإرهاب، والانتشار النووي والأوبئة. كل هذه أحدثت تغييرا نوعيا في طبيعة وأدوات الدبلوماسية، في ظهور الدبلوماسية المعاصرة. في السياق ذاته تعد المؤهلات الدبلوماسية من ضرورات العمل الدبلوماسي في عالمنا اليوم، فلا يكفي ان تمتلك الدولة امكانيات وقدرات دونما وجود شخصيات دبلوماسية فذة، قادرة على توظيف هذه الإمكانيات والقدرات لتحقيق مصالح الدول القومية واهدافها العليا.


العرض:


الأشياء تتكون كما تنمو الأجنّة في الأرحام، والحوادث ما هي إلا حالة ولادة للمعالم أو الظواهر الجديدة، أما الأسباب فهي النواميس التي تحكم الوجود الطبيعي والحياة بما فيها الحالة الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية. ويكمن أهم قصور العقل البشري عندما ينظر البعض إلى (ديمقراطية) الغرب، هذا الغرب الذي ما فتر عن تصديع رؤوسنا بالترنم على سمفونيات حقوق الإنسان والتطبيل للديمقراطية. وفي عصرنا الحاضر، زمن الثورة الرقمية والطوفان الالكتروني لم تعد الحرب مقارنة تمتحن الذكاء على لوحة الشطرنج. لاسيما أن صناعة المستقبل المشرق داخل الإنسان نفسه، والكثير من العقول يمكن الاستفادة منها بدهاء دبلوماسي يقلب معادلات الصراع رأسا على عقب. وبما أن الثورة المعلوماتية والاتصالية قد حولت العالم إلى قرية صغيرة، فإنه أصبح من الواجب حل كل ما قد يُنشأ من صراع بين الدول والأفراد والمؤسسات بالطرق الودية، التي من أهم أشكالها هي عملية التفاوض، وبخاصة أن اللجوء إلى استخدام القوة لفض المنازعات أصبح يُنذر بكثير من الويلات لأطراف النزاع، وذلك لأن القانون الدولي يحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية.


لقد عاصرنا عملية التحول الديمقراطي التي شهدتها مصر منذ ثورة 30 يونيو عام 2013 ولحد الآن، حيث تعددت الرؤى والتصورات بشأن المسار الإيجابي في الكثير من القضايا التي لعبت وماتزال تلعب دورا مهما في التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الفكرية والثقافية في المجتمع المصري، وقد اخترنا منها ما نعتقد بحاجة للكتابة والتنويه عنه الا وهي (الجبهة الدبلوماسية المصرية تحت شعار الدبلوماسية الشبابية) حيث أن الأهداف التي توخيتها في هذا المقال كثيرة وفي مقدمتها إعطاء فكرة عن هذا العمل الجبار، وبما أن فئة الشباب في مصر تمثل أكبر مورد للتنمية وأهم عامل لصناعة مستقبل مشرق، من هنا عملت الدولة المصرية على استثمار طاقات وافكار الكوادر والقيادات الشبابية المصرية المتميزة فى مجال العمل الدبلوماسي، لاسيما أن القيادة السياسية المصرية وعلى رأسها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي تعمل بجهود مضنية وباستمرار على تفعيل دور الشباب في المجتمع المصري وتأثيرهم الإيجابي، وإطلاق قدراتهم الإبداعية، وحثها على الريادة والابتكار، وتنمية وعيهم بأهم القضايا المحلية والعالمية.


وفقا لما تقدم، فإن الأساس المنطقي بتسليط الضوء على الخلفية الفكرية والواقعية لتأسيس الجبهة الدبلوماسية المصرية، يعكس فوائد ومزايا تنفيذ هذا المشروع الدبلوماسي الكبير، ومن خلال متابعة نشاطات وعمل الجبهة في العديد من البرامج التوعوية من الناحية الدبلوماسية والسياسية والثقافية والاجتماعية بالتعاون مع الجهات الحكومية، يمثل خريطة طريق متكاملة لعمل الشباب في السلك الدبلوماسي، ونموذجا يقدم نقطة الانطلاق لصناع السياسات الخارجية، وفق رؤية استراتيجية تنطلق من إنشاء الآليات والتنسيق في مشاركة الشباب المصري في العمل الدبلوماسي الميداني.


لندع ما يسمى (بعملية التفاوض) في العلاقات الدولية لأنه واقع تجسده جميع سجلات الدبلوماسية في السياسة العالمية، عليه فإن هذا الواقع يجعلنا نؤمن بالاختصاص، ومع اقرارنا بأهمية دور العقول الدبلوماسية المصرية المعروفة بحنكتها وثقافتها وبراعتها على الساحة السياسية العربية والإقليمية والدولية في ترسيخ مفهوم العمل الدبلوماسي بكل مضامينه ودلالاته ونقله إلى شباب الجبهة. بالتالي نحن أما مشهد دبلوماسي مصري قادم يضع أسس وقواعد جديدة في حقل العلاقات الدولية، سيكون وقعه مثيرا للدهشة في سجلات النظام السياسي الدولي. وبالفعل المشهد بدأ يضع خطواته الأولى في العمل الدبلوماسي من خلال مشاركة الجبهة في عديد من المناسبات التي شهدتها مصر في الأشهر القليلة والتي سنتطرق إليها في مقالنا القادم.


ذلك بالتحديد ما نكتب عنه اليوم (الجبهة الدبلوماسية المصرية) لصناعة مستقبل دبلوماسي بعقلية الشاب المصري الطموح والمحب لبلده. أما التفاصيل فهي مسلسل طويل لبرامج ومشاريع نقف عندها كثيرا، حيث سنشهد فصول جديدة من العمل الدبلوماسي المضيء على يد شباب الجبهة، وربما سيتم تنفيذها في المستقبل على الساحة الإقليمية والدولية.


وتأسيسا لما تقدم، فإن الدولة المصرية عندما سعت ودعمت هذه الطاقات الشابة، لأنها تعلم جيدا أن الشباب هم المستقبل، كما أن المسؤولين عن هذا المشروع يعلمون أن الشباب سيحدث تغيير حتمي في المجال الدبلوماسي نحو الأفضل، وكما أن الجيل الجديد يتعلم من أصحاب الخبرة، فبالتأكيد أن هذا الجيل سيعطي رؤية جديدة، ونقلة نوعية في مضامين العمل الدبلوماسي، وعليه من الضروري الاستفادة من هذه النقلة ومحاولة توظيفها في تفعيل الدبلوماسية بهدف خدمة المصالح القومية العليا للبلد. وهو ما يمكن تسميته بهندسة السياسة الخارجية لتكون متوائمة مع كل مستجد ومتغير، لتحقيق اهداف الدولة العليا، وهو ما يتلاءم وقدرات الدولة المصرية العظيمة وإمكانيتها وقيمها الحضارية والدينية.