علي الجنابي
لعلَّ سرُّ السعادةِ كامنٌ..
في تَأمّلٍ في شَكلِ لا في أكَلِ البُرتُقالْ؟ ففي أكلِه فرحٌ ، لكن في شكلِه سرُّالسعد ينهالْ ..
مَثلٌ شعبيٌّ: "جَوِّعْ الضيفَ أن كنتَ تَوُدُّهُ" أوهكذا يُقالْ، حيثُ في تَأخيرُ وليمتِهِ حافزٌ ليَتَغدّى بلا خَجلٍ ولا وَجلٍ وبِلَذّةٍ وإنفِعالْ.
طَقْطَقَت خُطى فرسي حَصى الدّربِ ، وأنا الخيّالْ، فحضرت مناقشةِ (دكتوراة) لصاحبِي، مُستَظِلّاً لهُ بآمالْ، بعدما رَقرَقَت لهُ خَلَجاتي وَقَطَّعَت لأجلِهِ بوناً من فراسخَ وأميالْ،
ثُمَّ..
زَقزَقَت مَحارِكُ مَركباتِنا، فإنطلقَت عَوْداً من "جَامعةِ بغدادَ" المُصابةِ بداءٍ "فقر العلم" أو ندبٍ من إضمِحلالْ، شطرَ دارِ صاحبِنا المُولِمِ لنا بِمائدةٍ من أصنافِ طَعامٍ ثِقالْ. وقد بانَت لنا لذّةُ وليمتِهِ عَجَباً عُجاباً وباتَت مَضرِبَاً للأمثالْ، وتأويلُ ذاكَ العُجابِ عندي كامِنُ في ثَلاثِ خصالْ، فَخصلَةٌ تَدَلَّت مِن إطالَةِ أَمَدِ المُناقَشَةِ حتى صَلاةِ العَصرِ وكأنّنا رهنُ إعتقالْ، فكادَت عقولُنا من الجُوعِ أن تَختَلَّ أو تُغتَال، وخِصلةٌ تَجَلَّت بأنّا كُنّا نَبلَعُ طعاماً مُتنوع الرّوائحِ والأشكالِ، ثمَّ لن نَتَكَلَّفَ بدفعِ أموالْ، والخِصلةُ الثّالثةُ الكُبرى تَحَلَّت بأنَّ صاحبَنا الرّضيع لِلتَوِّ من لبنِ الشهادةِ والمُقَمَّطُ بقماطِ (الدكترةِ)، ذو نَفَسٍ كريمٍ وسخيٌّ ورفيعُ الخِصالْ،
أكَلْنا حتّى كَلَلْنا، وإلتَهَمْنا حتى أتُهِمنا بأمعاء بقرٍ نملكُ، وحَوايا من جِمالْ، وتوجسنا من إنتفاخِ أظهرِنا بسنامٍ أو سنامينِ نضرين طِوالْ.
عُدّتُ لمَسكنيَ أتَهَادى مُعَلعَلَ الحالِ، مُزَلزَلَ البالْ، مُتَنَّمِلَ الكَفَّيْنِ والقَدمينِ، واللّسانِ والشَّفَتَيْنِ والأذُنَيْنِ، ورُبَما الكبدِ والطحالْ، كنتُ مُسبَلَ الجِفنَيْنِ كسكرانٍ، أو لأهلِ الهَوى خافقي مَيّالْ. كانَت حُنجرَتي تَطحُرُ وتزحُرُ برغاءٍ، ولعابيَ على الكَتِفَيْنِ سَيّالْ. كُنتُ أشتَهيَ تَقَيُّأً وكان ذاك أشبهُ بالمُحَالْ، أو تَجَشُّأً ولابَأسَ حتّى في سعَالْ.
وَلَجتُ الدّارَ فدندنتُ بِلا سببٍ لأمّي كدندنةِ مُداهنٍ أو مُحتالْ، وإذ هي حَذوَ تنُّورِها تَقِفُ مُحاطةً بِأدغَالْ:
" دعْ تنّوُرَها وشأنهُ! أيُّها الأبُ المُتَكَبِّرُ المُتَعالْ" ؟ رَمَقَتنيَ أُمّيَ بِنظرةٍ وهي قائِلةٌ: "حقيقٌ على أبيكَ على ألّا يكونَ مَعكَ إلا مُتَكَبِّرٌ وجَبّارٌ عليكَ بإذلالْ.
ويْ! أَعَقَقتُ أمّيَ وشَقَقتُ إجنحةَ الذُلِّ لها ومَحَقتُ الوِصالْ ! وما ذنبيَ إذ كانَت مُعَلَّبةً بِبُردةٍ أبي السوداءَ بإشتِمالْ، ومُغلّفةً بِغُترَةِ بَعلِها المُتَكَبِّرِ المُتعالْ؟
(أمّيَ كانَت ذَكَرٌ في بَطنِ أُنثى، لاتَخضَعُ بالقولِ ولا تُجيدُ تمايلاً بتَغَنُّجٍ ودَلالْ). بَل أنّ رِموشَها وحاجِبَيها كانا في عداءٍ مُؤَبَّدٍ مع (المَسكَرةِ) والإكتِحالْ.
ويحَكِ ياعين! مابالُكِ تَملأينَ طَيّاتِ خدَّيَّ بِدمعٍ مُنهَمرٍ لِذكرِ أمّيَ الودودِ الوَلودِ للأشبالْ! رَحِمَكِ الرَّحمنُ -أمّيَ - وإذ إحَاطَكِ من لّدنُهُ بِدُعاءٍ مُستجابٍ في حِلٍّ وتِرحالْ لا يَتَأخّرُ ولا يُرَدُّ ولا يُقالْ، وأنّيَ لأطمعُ بِدُعاءٍ مثلهِ يومَ التغابنِ بَعدَ زوالِ الجِبالْ، فيَستَلَّني مِن أوزارٍ ومُوبقاتٍ كان عَضُدِي لها بِجَهالةٍ كَيّالْ. تَكحّلي ياإمرأة، وأكتحلي لأبي المسكين، وإذ أنتُما الآنَ في كَنَفِ الرّحمنِ ذي الجَلالِ والجمالِ والكَمالْ، تَكحّلي له ياأنتِ ! حَيثُ لا نَظَراتٍ إلّا نَظراتُ أبي المُغرَم المَحروم، ثم إنها نظراته حَلالْ . آيهٍ أمّاهُ! ذِكرُكِ يُصَيِّرُني رَضيعاً رَغمَ لَهيبِ الشَّيبِ بإشتعالْ، ورَهيبِ ماجرى في الدّهرِ من أهوَالْ.
(قد زَلَّتْ قدمُ قَلمي، وشَطَحَت عن سَردِ روايةِ (وليمةٌ بلا أمَوالْ)، فألتَمسُ العُذرَ عن هكذا شَطَنٍ وإختِلالْ).
عُدّتُ لمَسكني، وكِدّتُ أن أقسِمَ بربِّ الشّفقِ، لمّا أطلَّ الغَسقُ، أن أصومَ حَولاً بأيامهِ والليالْ، أن نَجوتُ من دُهونٍ دَسمةٍ أطَّت بجوارحي، فالدُهنُ يقطرُ من أظافري، وماعُدّتُ مُقتَدِراً على إغتسالْ. وتارةً أسنانيَ تَصطَكُّ بإعتِلالْ، وتارةً فَكّايَ تَنضكُّ بإقفالْ. ثمّ ساقاي تحتكُّ أو لعلّهما سَعْفَتا السّروالْ؟ وسأصارعُ بَطني كيلا تعزفَ (سمفونيةٍ) لبواتٍ يجرين في أحراشٍ خلفَ عُصبةٍ من أفيالْ؟ وسأنازُعُ شهيقي لئلا تَضيق، فما أَنْفَسَ الشّهيق في هذه الأنوَاءِ والأحوَالْ.
"على رسلكَ شَهيق! لا تَكُ لَئيماً فَتَضَنُّ بأنفاسٍ وتَذرُ الزّفيرَ وحيداً يُلافِحُ ويُكافِحُ الأعطالْ". أما علمتَ أن نسمَةَ هوىً تَعدِلُ الآن فندق (إنتركونتننتالْ)! ألا بُعداً لكلَّ (دكتوراة) حِيزَت بجدارةٍ مُستَحَقَةٍ أو بِتَزَلّفٍ وإحتِيالْ. ورُدُّوها عليَّ إن إستطعتم :
أوَكانَ "سِيبويه" مُتَبَختِراً ولربطةِ العنق حَمَّالْ ، أم كانَ أبنُ النفيسِ ب (الدكترةِ) مُتَجَبّراً يَخْتَالْ ؟ أم كان الخُوارزمي يتمطّى بقلادةٍ (الدال) مُتَفاخِراً في حارتِهِ وبسذاجةِ الأطفالْ.
إن (اللّقبَ العِلميّ تَكليفٌ بتحليفٍ سيُسأَلُ عنهُ حَاملُه يومَ الوقفةِ والسّؤالْ، وماهو تَغليفٌ بتوليفٍ بِبَدلةِ تَكلُّفٍ بينَ العَوامِ، وتَزَلُّفٍ في كلِّ إحتِفالْ).
وحَيهلا.. فهاهيَ قد أطَلّت جُنودُ النومِ ضُحىً بعد طولِ إنتظارٍ لتغزوَ عَينيَّ بإحتِلالْ، فهَللَّتُ لهمُ مُرحِباً:
"أجِئتُم تَطلُبوا الأرقَ ثأراً، أم جئتَم تُشِعلُوا الدّارَ شَنَاراً بإقتِتالْ، لاريب فأنتُمُ فاتحونَ لا مُحتلّونَ، نعم وهكذا نحنُ نَعلُكُها أمام كلّ غَزوٍ وإحتلالْ، وهي علكَتُنا نتبادلها من فيهٍ لفيهٍ، وقيلٍ وقالْ ، أنتمُ حماةٌ لا غُزاةٌ، ولاشكّ عنديَ ولا إِشكالْ، فَأَنِيمُوني ثمّ حَمِّلُوا من كنوزِ دّارِي تِلالاً على تلالْ.
فَنُمْتُ ثُمَّ نُمْتُ ثُمَّ صَحوتُ ظهراً وإذ أنا وحديَ في الدّارِ بسبتٍ وإستقلالْ ، رُبَما تركوني يَرْجَونَ هدوءً ليَ بإكتمالْ.
جائعٌ كنتُ أنا ولكن هذهِ المرّةِ بلا تَطَرُّفٍ وبإعتدال، فَتَّشتُ فلم أحظَى إلّا بنُتفةِ خُبزٍ يَبَسٍ وكانت عَطشى لإبتِلالْ، وَ بشُطفةٍ من برتقالةٍ مَنفيةٍ خَلفَ سَلَّةٍ لأزبالْ.
إلتَهَمتُهُما بلا إبتٍلالٍ ولن أباليَ بروائِحٍ وأزبالْ، وعَجبي!
مابالُ طَعمهُما ألَذُّ مِن ولائمِ (الدكترةِ) سَيئةِ الصّيتِ إيّاها، ومريئٌ كماءِ زمزمَ الزُلالْ!
لعلَّ سِرَّ السَعدِ يأبى غَوراً في قيعانِ طَّمعٍ وتجبّرٍ و(دكترةٍ) وتمخترٍ وإنخِذالْ؟
رُبَما سرُّ السَعدِ كامنٌ...
في تَأمّلٍ في شَكلِ لا في أكَلِ البُرتُقالْ؟
وفي تَجَمُّلٍ لا في تَحَمّلٍ لأموَالْ؟
وفي تَرَفُّعٍ لا في تَنَفُّعٍ من جِدالْ؟ رُبَما ذَاكَ كذلكَ؟
أنا..
لستُ أدري.
0 تعليقات
إرسال تعليق