بقلم أمل محمد ياسر / سورية/ دمشق
هناك فكرة دغدغت أفكاري، عندما بدأت النقاش مع نفسي ببعض الترهات كالعادة، ولكن من خلال ترهاتي هذه، توصلت إلى هذه النتيجة المرّة، والتي كان مفادها كالتالي:
بداية، سألتُ نفسي نحن لماذا نكتئب ونتألم ونثور غاضبين وتلفحنا لعنة الأحزان، وتُطوق أعناقنا، ونبدأ بالشكوى والدموع من الواقع ومدركاته بكل الشكليات، وهنا موطن اللغز وهنا مكمن النتيجة...
وتوصّلت فجأة إلى أنّ الكآبة مفيدة جداً، نعم ستسألون أنفسكم ما هذه الغباوة..
سأجيب نعم، هي مفيدة جداً، لأنها تصحّح وتصوّب أخطاءنا ولأنّها توقظنا من غفلتنا، لأنها هزّة عنيفة ولغز عقيم لِما يتمحور بداخلنا.
كما أنّ الكآبة تشعرنا بالحزن، إلا أنها تعطينا طاقة تحفيزية جديدة، ّتمسّح على قلوبنا بلمسة ربانية، فنخرج من كآبتنا متوصّلين إلى حلول جديدة أو منتهين من هموم ألمتنا وأغبطت أرواحنا بها، وبهذا نكون قد صحّحنا الكثير من المفاهيم والقيم واستنبطنا أشياء وأمور غاية بالأهمية..
واستنتجت أن السعادة مهمّة بحياتنا وهي تجعل أساريرنا الباطنية مندملة بالرّضى، ولكنها لا تعلمنا ولا تغيرّ أي شيء بنواةِ حياتنا ولا تضع لبنة جديدة بها لتعمرها أكثر وأكثر، الشقاء والنجاح هما متلازمان ومتتاليان، والسعادة هي شيء روتيني يجعلنا بلا اندهاش يؤدي إلى تغيير ببعض المفاهيم أو يدفعنا للصعود درجة على أقل في سلم النجاح ، أما الكآبة هي تحوّل جذري لحياتنا، فعندما نكتئب فهذا يعني أنّ فرجاً ما قد أتى ، فلنحمد الله على نعمة الكآبة ولنقدّس تلك الآلام والغبطات، فتلك المشاعر لم توجد إلا لسبب واحد، وهو المجّد والرفعّة ولتعرّفنا على الفشل الشخصي الذي يتمحور بداخلنا ويؤثر علينا.
كما يجب علينا معرفة بأنّ الكآبة هي خزينة عواطف ومزاجيات وآلام وأهداف التصقت بمسامات الأدمغة ، وأثرت على الحالة الفسيولوجية للفرد مما جعله في إرهاق عقلي وجسدي يجب أن يجد له استنتاجات وحلول ، فيدفعه ذلك للغور في أزمة والخروج نحو السعي للحصول على فرصة للتحسن، فهذا الدافع القوي الذي خرج من صلب أجسادنا سيجعل لنا نصيباً من التحررّ من سلطان الألم إلى سلطان النجاح.
وينبغي علينا أن نراعي الجانب المشرق للكآبة التي هي نحو النجاح والتقدم والتغيير الإيجابي، والتي لها مقومات تعين الشخص المكتئب، أمّا عند انعدام أي مقوم للشخص، كأن يكتئب مع شيء يتنافى مع مؤهّلاته العقلية والذهنية والواقعية والاجتماعية... الخ ، فهذا الاكتئاب سيؤدي به إلى اللا شيء، بل سينسف عافيته وعقله وربما تتراجع صحته النفسية ويؤدي ذلك لتجلطات جسدية أو أمراض نفسية عقيمة.
وعند سؤالنا عن تفسير الاكتئاب وجدنا وصفاً لعالم النفس المخضرم مارتن سليجمان للاكتئاب في أطروحته الأساسية حول التفاؤل المكتسب: "الاكتئاب هو اضطراب في الـ (أنا) التي فشلت بنظرك في تحقيق أهدافك".
ويعرّف روتنبرغ الحالة المزاجية والاكتئابية على أنها "إشارات داخلية تحفز السلوك وتحركه في الاتجاه الصحيح"، ويجادل بأنّ أجسادنا عبارة عن "مجموعة من التكيفات والموروثات التطورية التي ساعدتنا على البقاء والتكاثر في مواجهة المجهول والمخاطر"
وبالتالي وبعد المرور على تحليلات علماء النفس نستنتج بأن تلك الحركات التحفيزية الدماغية في شرخ العواصف قد جالت في أجسادنا لتخلصنا من وباء الوقوع في محطات السعادة التي أدّت بنا إلى روتين يعصف بحياتنا ، لا مهرب ولا منجى منه إلا بزلزال مزاجي وعواطف متكاثرة تؤدي إلى كآبة ودافع يجعلنا نبحث عن الانفلات من تلك المشاعر والتخلص منها عبر نفق النجاح.
وفي ذلك قال مصطفى لطفي المنفلوطي "والمرء إذا لم تحبل به الكآبة ويتمخض به اليأس وتضعه المحبّة في مهد الأحلام تمل حياته كصفحة خالية بيضاء في كتاب الكيان"
رسالتي هذه ساميّة نحو التغيير والتقدم، ليست غايتي خلق زعزعات نفسية في نفوس القرّاء، وإنما غايتي تتلخّص بتقبّل الكآبة على أنها وجه من أوجه الدوافع لغدّ مشرق.
0 تعليقات
إرسال تعليق