بلقيس خيري شاكر البرزنجي. 



في احدى قرى غابات الامازون ، يعيش اريتان في كوخ مغطى باوراق النخيل، ويعيش على الصيد مثل باقي افراد القبيلة في الغابة المطيرة . 

استيقظ مبكرا كعادته في احد ايام الصيف الدافئة، وحمل قوسه وجعبة السهام ليخرج الى الصيد ليصطاد قوت يومه.. اريتان شاب قوي البنية ببشرة برونزية يغطي جسده بجلد حيوان قام باصطياده ويزين راسه بريش ملون، 


انطلق الصياد اريتان في الغابة وهو يحلم بصيد بعض الطيور، وفجأة لمح بين الاشجار الكثيفة ثعبان الاناكوندا بلون ذهبي جميل جدا.. استغرب الامر لان ثعابين الاناكوندا في الغابات المطيرة تكون باللون الاخضر.. دفعه الفضول الى ملاحقتها وبدأ يجري خلفها وهي تجري وتجري حتى وصلت إلى مصب النهر .. وعند وصوله رأى فتاة جميلة جدا... كأنها اللؤلؤ المنثور... كانت تعزف بالمزمار لحن حزين ..  بدأ يمشي بخطوات خفيفة كي لا تتوقف عن العزف، أقترب منها ألتفتت فجأة ثم قامت ودارت حوله وهي تقول : مالذي جاء بك الى هنا؟

قال لها :من انتِ؟ انني صياد واتجول هنا دائما ولكني أراكي لأول مرة؟ 

قالت له :انا جوينيا، عازفة المزمار...

بدأ يتأملها باندهاش وتاه في تقاسيم وجهها الفاتن... يا لهذين العينين!!!! كأن خضرة الغابة وقطرات المطر انعكست في عينيها ،وفمها المكتنز كأنه حبتي كرز بللتها قطرات الندى..  وخصلتها الذهبية كانها شلال ينساب على صفحة خدها، لم تكن اي من فتيات القبيلة تشبهها ابدا.. ومن فرط ذهوله نسي ان يسألها عن الافعى، استأذنت منه وذهبت بقارب كان بجوار الشاطيء.

رجع الى الغابة واصطاد بعض الحيوانات وحملها وعاد مسرعا وهو مشغول البال بفتاة المزمار.

وفي صباح اليوم التالي استيقظ مبكرا وذهب الى شاطيء النهر ليجدها بانتظاره، وأصبح يخرج يوميا للصيد ليلتقي بها، احبها واحبته واصبح يبثها لواعج الغرام ويعبر لها عن مكنونات نفسه وكان يقول لها: وجهك يرتسم في عتمة كوخي وانا اطفي المصباح الزيتي لأنام.. فاسمع ضحكتك الرقيقة تنبعث في روحي .  وفي احد الايام عرض عليها الزواج، ولكنها ارتبكت واعتذرت منه وفرت مسرعة الى اعماق الغابة، وتركته في حيرة من امره.

انقطعت عدة ايام عن لقائه، بحث عنها في ارجاء الغابة ولم يجدها ولكنه كان يلمح الاناكوندا من بعيد.

وبعد مضي عدة ايام جاءت الى كوخه لتخبره انها ترغب بالزواج منه ولكنها يتيمة وليس لها اهل، 

رحب بها ووعدها ان يكون لها الزوج والاهل .

تزوجها ومضت الايام وهما في ألفة ووئام وأصبح لهما بنت وصبي، ياقوت ومرجان..

ولكنه كان يلاحظ غيابها في بعض الاحيان بدون سبب، فكان يسألها عن سبب غيابها فكانت ترد باعذار واهية ولكنه اصبح يلح عليها ويحاسبها بشدة على غيابها...

قالت له: ان صارحتك بالحقيقة هل تتركني؟

اندهش اريتان من كلامها وطمنها بانه لايوجد سبب في الدنيا يدعه بتركها.

قالت له :  هل تتذكر الافعى الذهبية التي كنت تجري ورائها؟

قال : نعم اتذكرها مابها؟

قالت له: انا الافعى وانا الفتاة.

وقبل ان تتم كلمتها الاخيرة نزل كلامها عليه كالصاعقة واصابه الذهول من هول الصدمة ولم يصدق ماسمعه، مرت عليه الثواني كانها ساعات وهو متسمر في مكانه لايستطيع الحركة، واخيرا استجمع قواه وصرخ قائلا : هل انت من الجن؟

اجابته :نعم انا ابنة ملك الجن واني كنت انتهز الفرص لاذهب الى اهلي كي لايشعروا بغيابي لانهم لايعرفون بزواجنا، واذا عرفوا سوف يقتلونك... ولكني الان مجبرة على تركك والذهاب الى اهلي بسبب حربهم مع قبيلة اخرى من الجن، واني مضطرة للذهاب والقتال معهم وساخذ ابنائي معي وسيعرفون بسر زواجنا  لذلك البس هذا الخاتم  من الزمرد الاسود به تعويذه تحميك من شرورهم، ولكن اياك ان تخلع الخاتم لئلا يصيبك مكروه. وعندئذ لا أستطيع عبور عالمنا أو الوصل إليك مرة اخرى، إياك أن تضيعه.

ثم ودعته واخذت الاولاد ورحلت.

ومرت الايام واريتان في اشد حالات الشوق والانتظار ولكن ليس باليد حيلة. 

وفي احد الليالي استيقظ اريتان مفزوعا من النوم لانه رأي في منامه زوجته واولاده يقاتلون الجن وكلما اجهزوا على اعداءهم  خرج من أعينهم دماء وقيح اسود ويتعالى صوت الصراخ والعويل... استيقظ مرعوبا وهو يرتجف، تحسس الخاتم بيده ولكنه لم يجده ...لقد اختفى الخاتم من يده، أصفرَ وجهه صفرة الموت من شدة الرعب وهو ينظر بعينيه المذعورتين مكان الخاتم الفارغ واخذ يلوم نفسه كيف اضاع الخاتم؟

وراودته افكار مفزعة واصبح يشهق من كثرة البكاء.. 

ولكنه تماسك واستعاد نفسه ليهدأ قليلا... 

لا.. لن يستسلم ابدا.. 

قرر البحث عنها لن يدع زوجته ترحل هكذا أيما كانت من الجن او الأنس.. لقد احب روحا ولم يحب شيء اخر...

ومع بشائر الفجر الاولى اخذ قوسه ونباله وسكينه، وواصل المسير وبدأ البحث عن الخاتم في اعماق الغابة، وكلما توغل في الغابة تزداد كثافة الاشجار ولايصل من اشعة الشمس الا قليلا ويظلم المكان اكثر.. حتى ظهر له رجل بشع الهيئة ناداه وكأنه يعرفه وقال له: اتبحث عن هذا الزمرد الأسود العتيق...

انتبه اليه ولمح الخاتم في يده.. اسرع الخطى ليأخذ الخاتم ولكن الرجل قال له : عليك اولا ان تجاريني وتبارزني للحصول عليه.. وبدأت معركة بينهما ورغم مهارته ولياقته العالية الا ان الرجل كان شديد المراوغة ويحاول قتله فجرح اريتان أسفل خاصرته ولكنه استطاع طرحه أرضا وغمد السيف في كبده وفجاءة تبخر الرجل واختفى، ارتعب اريتان من هول الموقف لانه عرفه من الجن ولكنه رأى الخاتم مرمي على الارض فاسرع بلبس الخاتم وهنا ظهرت جوينيا مع الاولاد تركض نحوه وعانقها عناق الف عام ..ثم قالت له: هذا (واجابي) ابن عمي وكان يريد ان يفرق بيننا ليتزوجني، وادعى بانك تريد التخلص مني لانني من الجن، ولكني كنت واثقة من حبك ووفاءك وانك سوف تبحث عني.. والآن انتهت الحرب وانتصرت قبيلتنا...

اني احبك يااريتان وسأعيش بقيه عمري معك.. وان كنت انت من الأنس وانا من الجن ف الحب لا يعرف دين ولا لغة ولا لون ولا جنس..لن أعود إلى عالم الجن ابدا... سابقى معك حتام ينتهي اجلي .