نـــذيــر جعفر
 كاتب سوري


  مجمعات صناعة السلاح في أميركا والغرب المتوحش لا تكتفي بتصنيع السلاح الذي يحصد أرواح البشر ويدمي قلوب الأمهات على امتداد هذه المعمورة، بل تصنع أيضا الأكاذيب والمصطلحات والعملاء والبوارج الحربية والإعلامية والقبعات البيضاء لترويج صناعتها وتسويغ إجرامها.
   تلك المجمعات وطاقمها السياسي هي ذاتها التي صنعت الكيان العنصري الصهيوني وصدّرته إلى أرض فلسطين ليس حبا ببني «إسرائيل» ولا رحمة أو شفقة بهم بعد أن نكّلت بهم، بل لحماية مصالحها وتجارتها عبر قناة السويس من جهة، ولتبقى قريبة من مصادر الطاقة المكتشفة من جهة ثانية.   
   وهي ذاتها التي شنت العدوان الثلاثي على مصر، ودعمت صنيعتها «إسرائيل» في عدوانها المتكرر على سورية ولبنان، وصولا إلى حربها الأخيرة على ليبيا واليمن والعراق وسورية تحت مسمى ربيعها المزعوم ربيع الحرية والديمقراطية الذي أوكلت إلى عملائها الصغار آل سعود وآل ثاني لترويجه وتمريره على دماء أبناء هذه البلاد المعادية لمشاريعها ومخططاتها التآمرية.
ولتعفي نفسها من المسؤولية عن المجازر التي ترتكبها هي وعملاؤها أوعزت إلى جوقتها الإعلامية بالترويج إلى مصطلح الحرب الأهلية في سورية أولا، والحرب الطائفية ثانيا، والحرب الإثنية بين المكونات القومية ثالثا، في الوقت الذي لا تشهد فيه سورية أيّا من تلك الحروب، بل تشهد حربا قذرة تم التخطيط لها في غرف البنتاغون السوداء بغرض كسر وتفتيت محور المقاومة، وعزل سورية عن حلفائها، والهيمنة على موقعها الجيوسياسي وقرارها الوطني، لتبقى تلك الدوائر الاستعمارية وربيبتها إسرائيل ومحمياتها الرجعية العربية سيدة الموقف والقرار بما يضمن لها البقاء والتمدّد، دافعة إلى واجهة حربها على سورية بقطعان التكفير التي ربتها ورعتها ومدتها بالسلاح والمال والدعم اللوجستي والخبراء العسكريين المقيمين في غرفة (الموك) بموافقة حكومة الأردن (الشقيق)، وفي قاعدة (إنجرليك) بحماية مدّعي الخلافة الإسلامية الجديد رجب طيب أردوغان الذي سيلاقي جزاءه العادل عاجلا أو آجلا من أبناء شعبه أنفسهم!
ليس هناك حرب أهلية ولا إثنية ولا طائفية في سورية، بل حرب عدوانية استثمرت اندفاع الشباب طلبا للإصلاح ومحاربة الفساد وزجّتهم في أتون التدخل الخارجي الذي كان له دوره المسبق في التخطيط والإعداد لهذه الحرب قبل اندلاع الربيع الأسود في 15آذار 2011، هذا الربيع الذي يصر هؤلاء المجرمون على تلوينه بدماء أبناء سورية المدنيين الأبرياء بل دماء كل من يحب سورية ويأتيها عاشقا أو زائرا، وما التفجير المزدوج الأخير في الحادي عشر من آذار الجاري إلا تأكيدا على هوية هذا الربيع وصانعيه وأدواته الظلامية التكفيرية في الداخل التي توجهها غرف عمليات الدول المجاورة المتآمرة على وحدة شعب وتراب هذا لوطن.
إن إصرار دوائر استعمار ما بعد الحداثة على وسم هذه الحرب العدوانية الظالمة بالحرب الأهلية ليس سوى تهرب من مسؤوليتها في إشعالها، موهمة العالم بأنها بريئة من الدماء التي يسفكها السوريون أنفسهم وما بينهم متناسية أن السوريين باتوا يعرفون تماما إن آلاف الإرهابيين الذين دفعت بهم إلى سورية ليسوا من أبنائها ولا يمتون بصلة إلى ثقافتها ولا حضارتها، أما من التحق بهؤلاء الإرهابيين من السوريين عن وعي أو جهل أو ضلالة فهم ينحسرون تدريجيا، ومآلهم إلى زوال ومآل سورية وأبنائها الأبرار وحلفائها الأوفياء إلى النصر الأكيد.