عبد الرازق أحمد الشاعر

إن كنت مثلي تظن أن الحب لا يباع وأن الاهتمام لا يشترى، فعليك أن تراجع مسلماتك يا صديقي، فقد تجاوزنا عصر الشَّعر الذهبي والعيون الزرقاء، وأوشكت الشمس أن تشرق من بلاد أصحاب العيون الضيقة والوجوه المستديرة المتشابهة. ومن المؤكد أن عروض شرق آسيا ستكون مختلفة ومميزة عما تقدمه جُمَع الغرب السوداء. وإذا كان أصحاب البشرة البيضاء لا يمتلكون إلا واقعا افتراضيا للترفيه عن روحك المتعبة والتعويض عن شبابك الضائع، فأصحاب العرق الأصفر قادرون على إبهارك بواقع تمثيلي من لحم ومرق.
إن كنت تعاني من سوء خلق زوجتك أو عقوق أبنائك أو قسوة أقاربك، وإن هجرتك حبيبة أو جفتك صديقة أو تنكرت لك عاشقة، فلا تبتئس؛ ففي متاجر اليابان ومجمعات الصين الاستهلاكية ستجد ما لذ وطاب من مشاعر فياضة وحب جارف وصداقة حقيقية. وإن أردت حضنا دافئا أو حديثا مشوقا أو فسحة نهرية مع فتاة حلوة الملامح رشيقة القوام، فستجد كل ما تشتاق إليه نفسك، وإذا رغبت في قضاء وقت أسري وسط عائلة محبة، فما عليك إلا أن تتصل بأقرب فرع لخدمة تأجير الأسر.   
إن كنت تعاني من الاكتئاب أو الأرق أو فقدان الشغف، فلن تكون مضطرا لزيارة الطبيب أو مشاهدة التلفاز أو التقليب في صفحات التواصل المملة، ولن تكون مضطرا لشراء جرو أو هر ليؤنس وحشتك. فشراء المتطوعين من البشر قد يصبح أقل كلفة في المستقبل. ما عليك إلا أن تحدد مدة إقامتك مع الأشخاص الذين ترغب في مرافقتهم، ولون بشرتهم وأطوالهم ومقاسات أحذيتهم، على أن تكون مستعدا لدفع نفقات كل ذلك من نفقتك الخاصة.
أما إن كنت من أصحاب الجيوب الفارغة والمشاعر الفياضة، فما عليك إلا أن تتقدم للعمل كممثل على خشبة مسرح الواقع، فتقوم بدور والد لطفلة تنمر عليها رفاقها بعد موت والدها في حادث سير، أو بدور عاشق لفتاة هجرها حبيبها بعد أن اعترفت له بأنه ليس أول شخص يطرق باب قلبها، أو بدور ابن بار لمسنة أهملها ولدها في دار المسنين طاعة لأمر زوجته، أو تكتفي بدور هر لا يكف عن التثاؤب عند قدمي من يدفع الثمن. واعلم أن البقاء هناك للأصدق والأكثر تجاوبا مع حركات الكفيل وسكناته. من يدري، فقد تكون من المحظوظين الذين تطول إقامتهم في بيت الأثرياء إلى ما لا نهاية. لكن عليك أن تعلم أن الاختلاط ممنوع، والتماس الجسدي محرم، والخلوة منهي عنها بفرمانات شديدة اللهجة من مقدمي خدمات تأجير الأسر.
عليك أن تحتفظ بمشاعرك لنفسك، وأن لا تبدي منها إلا ما يرغب العميل في إظهاره، لأنك إن تجاوزت مهام عملك، فأنت معرض للطرد أو الاستبدال في أي لحظة، ولن يعفيك من المسئولية الجنائية أحد إن ارتكبت شيئا من المحظورات التي اتفقت عليها مع صاحب العمل. الأمر إذن مجرد بزنس، وعليك أن تدرك أن مشاعرك ليست لك، وأنه سوف تتم محاسبتك على كل كلمة أو نظرة أو لمسة أو حضن أو مجرد قصة قبل النوم بالين واليوان، فلا تتحامق حتى لا تخسر وظيفة سيحسدك عليها موظفو الحكومة ومشجعو الفرق الرياضية.
الأمر ليس مزحة يا صديقي، فقد تأسست أول شركة لتأجير العائلات على يد جابان أفينشي في خريف .1991 بدأت بتقديم خدمات الأرق وغيرها من خدمات التعاطف، قبل أن تستعين بممثلين محترفين لممارسة أعمالها على نطاق واسع شمل كافة مجالات العلاقات الإنسانية المتدهورة، وبلغ عدد المتقدمين للعمل بها أكثر من 400 فرد بحلول عام 1992. أما عن الأسعار، فهي تعتمد على نوع الخدمة وعلى الاتفاق المسبق مع العميل. صحيح أن المشاعر التي تبذل هناك ليست حقيقية تماما، وصحيح أن الكلمات والشهقات واللمسات مدفوعة مقدما، إلا أنها تُعَد مخرجا من الأزمات النفسية لبعض الأشخاص الذين لا يجدون من ينصت لهم أو يحنو عليهم. السيئ في الأمر أن الفقراء المحرومون من هذه المشاعر محرومون من تلك الخدمات أيضا. وأن العملاء لا يشعرون بصدق الضمة أو حرارة الكلمة، لكنها أفضل من لا شيء. رب كلمة أو حضن حال بين العميل وبين الموت، فقد ترك أحدهم ذات يأس ورقة جاء فيها: "لو أنني وجدت حضنا دافئا، لما أقدمت على الانتحار."