سمير داود حنوش


القرار الذي أصدرته المحكمة الإتحادية في العراق في شباط من عام 2022 بعدم دستورية قانون النفط والغاز في حكومة إقليم كردستان وضرورة إلزام الإقليم بتسليم نفطه إلى الحكومة الإتحادية ومارافق هذا القرار من رفض كردي له على إعتبار أنه غير عادل ودستوري ويتعارض مع حقوق السلطات الدستورية للإقليم، ربما سيجد له هذا القرار من الرافضين في خارج الحدود أكثر من داخله، فإقليم كردستان الذي بدأ ببيع نفطه بمعزل عن الحكومة الإتحادية في عام 2012 من حقليّ طاوكي وطق طق عبر إنبوب النفط الحكومي إلى ميناء جيهان التركي أثار حفيظة وزارة النفط الإتحادية ما جعلها ترفع دعوى قضائية في عام 2014 ضد وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم لتصديرها النفط المنتج من الإقليم ومدينة كركوك دون موافقة بغداد، إلا أن الحكومات المتعاقبة غالباً ماكانت تغض النظر عن هذه الإتفاقيات لأسباب سياسية تتعلق بكون الكرد بيضة القُبّان في الإتفاقات السياسية التي كانت تحدث للقبول بمنصب رئيس وزراء يرشحه المكون الشيعي لنيل رضا وقبول الطرفين الكردي والسني. يضاف إلى ذلك مماطلة الحكومات السابقة في فتح هذا الملف بالمحكمة الإتحادية بسبب علاقاتها المنفعية والمصالح مع الإقليم إلى الحدّ الذي كان يجعل الدعوة مفتوحة لحين ورود مطالبات من رئيس الحكومة للبت فيه.


النفط الذي يصدره الإقليم عبر وساطة شركات تركية ومن خلال مزايدات يذهب معظمه إلى إيطاليا وفرنسا وألمانيا وهولندا وحتى أمريكا الجنوبية، لكن المختصون يؤكدون أن مانسبته 70% من نفط إقليم كردستان يغطي حاجة إسرائيل وبأسعار تفضيلية ومخفضة جداً مقابل الحصول على دعم من اللوبي اليهودي في أمريكا للقضية الكردية.


في كل هذا التشابك في المصالح والتداخل المنفعي يُثار السؤال الأهم وهو هل ستسمح الدول التي تشتري النفط الكردي وبأسعار مخفضة إبتداءاً من وصوله إلى الأراضي التركية وإنتقاله إلى مناطق مختلفة من العالم وبالخصوص إسرائيل من الوقوف ساكتة ومستسلمة لقرار المحكمة في العراق بعدم دستورية تصدير النفط من الإقليم؟ وهل سترضخ تلك الدول للأمر الواقع خصوصاً مع كل تلك التفضيلات في الأسعار وحسب الرغبة مع ماتشهده أسعار النفط من صعود وإرتفاع أسعاره بسبب الأزمات الدولية والحروب التي يشهدها العالم؟.


ربما الجواب لايحتاج إلى (متفيقه) في علم السياسة ليجيب بأن تلك الدول لن تقف مكتوفة الأيدي بوجه قرارات تهدد مصالحها ومنافع بلدانها وستكون تلك الجهات والمصالح بأجمعها جبهة واحدة لمنع سريان هذا القرار أو عرقلته وعدم تنفيذه لأنه يهدد وجودها ومصالحها الإقتصادية.


مشكلة النفط الكردي المصدّر إلى دول الخارج أو إسرائيل يتم عن طريق طرف ثالث أو وسيط وهو مايبعد عنها صفة التواصل أو الإتفاق المباشر مع تلك الدول وهي نفس الطريقة التي كان يستخدمها شاه إيران في الستينات والسبعينات من القرن الماضي من خلال إنشاء شركات وسيطة يتم إنشاؤها بعلم الحكومتين. بالمحصلة تركيا لاتخفي منفعتها من النفط الكردي عبر أراضيها والمصدّر عبر موانئها، لكن الفارق أن تركيا ترغب بالنفط الكردي لكنها لن تسمح بقيام دولة كردية بعكس الحكومة الإسرائيلية التي ترغب بقيام هذه الدولة حين عبّر آنذاك بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الأسبق عام 2015 عن موقف إسرائيل الداعم لقيام دولة كردية في شمال العراق، وبرغم إختلاف الإستراتيجيات والمواقف السياسية يبقى السؤال هو هل ستسمح تلك الدول بتهديد مصالحها وقطع منافعها؟ ربما سيكون الجواب بعدم الوضوح إذا كان بالصورة العلنية لكنه بالتأكيد سيكون فاعلاً وقوياً بالسرّ والخفاء وسيكون أكثر شراسة خصوصاً مع وجود حكومات إتحادية ضعيفة في صنع القرار تتحكم بها مصالح ومؤثرات خارجية وأوامر من خارج الحدود إضافة إلى المصالح والمنافع الشخصية التي تؤثر على قرارات سيادية للبلد تجعل من هذا القرار مجرد حبراً على ورق ليس أكثر.