علي الجنابي - بغداد
قد أعلمُ ياصاحُ أَنَّ مقالتي هذهِ جُنُبٌ، وَلن تغتسِلَ بِمَاءٍ من فنونِ أدبٍ مُحدثٍ بإضطرابِ، ورُبَما لن تَسْتَعْسِلَ رضىً وإعجابٍ من أحبابِ لي ومن صحابِ، ولكن لنا أن نعلمَ ياصاحُ أنَّ الهِجاءَ فنٌّ على لسانِ شاعرٍ غاضبٍ مُعَلعَلَ الأعصابِ، فَيَقصُفُ طَرْقاً وبَرْقَاً بهِ خصيمَهُ دونَ عِتاب، ولاشَكَّ أنّهُ باتَ بينَ أيدينا أرثُ (شاعرٍ) أسمهُ "مظفّرُ النّواب"، وعلى الرّفوفِ سيُخَلَّدُ إرثُهُ لقادمٍ من أعقابٍ ومن أصلاب، ولَعلّهُ رحمهُ اللهُ - إن رحلَ موحداً ولم يُغضِبِ رحمةَ الوهّابِ - قد زعمَ أنّهُ في فنِّ (الهِجاءِ) فطحلٌ ونابغةٌ دون إرتيابِ، أوهكذا لَفَحَهُ فنَفَخَهُ فصَيّرَهُ مَن كَفَّ خُفَّهُ عن تلالِ بلاغةِ ألأعرابِ، ومَن جَفَّ جُبُّهُ مِن زلالِ فَصاحةٍ، ومن نحوِ وإعرابِ.
ولاريبَ أنَّ الأدبَ بئرٌ، ماؤهٌ عاكسٌ لسُمُوِّ أمَّةٍ بِإقتِضَابِ، فإن كانتِ الأمَّةُ في عُلُوٍّ، جاءَ أدبُها كدُرَرِ يسيلُ لأجلِها ماءُ اللعابِ، وإن كانتِ الأمَّةٌ في دنُوٍّ جاءَ أدبُها كسُرَرِ (جمع سُرّة) لعجائزٍ بعِلَلِ وأتعابِ، أو كصُرَر (جمع صُرّة) من دنانيرَ مُمَزَّقةٍ ل " أولادِ قحابِ ". وإذاً، فكيفما كانَ هوى أمَّةٍ، كانَ أدبُها تُبَّعاً لهُ في كتابٍ أو في خِطابِ. والحقَّ أقولُ؛ الذَّنبُ هاهُنا ماهوَ بذنبِ أبنُ بني النّوابِ، رغمَ أنَّ رماحَ لَغوهِ تَجَرَّأت فَفَقأَت عُيُونَ بَيَانٍ غيرَ مُفَصَّلٍ بِتَحَشرِّ الأقشَابِ، وطَفَّأَت جُفُونَ كِيانٍ غيرَ مُخَصَّلٍ بِتَكَشِّرِ الأنيابِ، وأقبلَ (شعرُهُ) محمولاً على ثَرثَرَةٍ مَا تَداوَلَتها مِن قَبلُ فصاحةَ الأَنسَاب، ومجبولاً على جَرجَرَةٍ مَا تَنَاوَلَتها شيبةٌ من أَحسَابٌ ولا شبابِ، فلا لَمعَ في شعرهِ، ولا فيهِ نَفعٌ، ولا صوابِ. وإنّما الذَّنبُ ذنبُ مَنِ إستَلقى على غُثاءٍ وعَواءٍ بإرتيابِ، وما إستبقى ذَرَّةً من سَناءٍ لبِناءٍ من سلفٍ على هضابِ، فضاعَ منهُ نبيلَ البنانِ، وأصيلَ البيانِ، وجميلَ خطاب، وما ذاكَ إلا انّ فِكرَهُ مُتَقَلقِلٌ في سَرَفٍ من سَرابِ، وذِكرُهُ مُتَخَلخِلٌ في خَرِفَ من رِهَابِ، وأضحى مُبلِساً مُفلِساً غيرَ مُتَلَمِّسٍ لشدَى كتابٍ، وغيرَ مُتَحَمِّسٍ لندى آدَابِ، فأضحى فكرُهُ لا يَعرِفُ (الوسادةَ) من اللحافِ في إحتجابِ، وذِكرُهُ لا يَغرِفُ من حكمةٍ بزغت من عقابٍ أو ثَوَابِ.
وهاهوذا البيانُ في أمّتِنا قد باتَ كَطَنينٍ لِفَوجٍ مِن ذُبَابِ، وإذ وجوهُ النّاسِ فيهِ مُكبكَبةٌ بترحابِ، وكلُّ تراهُ مُكَبكَباً، مَن أرتدى ربطةَ عُنُقٍ، ومن إعتدى عليها وإهتدى لجلبابِ.
أوَليسَ جميلاً أَن يُصَفَّى الفَاهُ من حشوٍ ومن لَغوٍ بإسهابِ؟ وأن يُوَفّى المِيثاقُ إنِ النّاسَ خَاضُوا فِي شغَبٍ ولَغْب بإنجذابِ؟ فيعودُ الفاهُ كرَّاً الى لآلئِ الأولينَ من أولي حُلُمٍ وألبابِ، فيَتَلَهَّجُ ببيانِ تفاخرٍ لهمُ بأحسابِ وألقابِ، و يَتَغَنَّجُ بتغزّلٍ لهمُ بعيونِ المَحْبُوبِ والأهدابِ، ويَتَبَلَّجُ بمديحٍ وثناءٍ لهمُ على فنونٍ الحربِ في الصّعابِ، ويَتَخَلَّجُ بفصيحٍ من هجاءٍ آسرٍ حرفُهُ، ساحرٌ ذرفُهُ على مدى الأحقابِ، وهاكُمُ قبسٌ من لمساتِ ل(هجاءٍ) آسرٍ للُّبِّ وخلّابِ، لكي نعلمَ ما أصابَ مضاربَ شعرِنا من إنقلابٍ، وما أرابَ محاربَ نثرِنا من إغترابِ؛
أَبـا سَـعـيـدٍ لَنا في شاتِكَ العِبَرُ * جـاءَت وَمـا إِن لَها بَولٌ وَلا بَعَرُ
وَكَـيـفَ تَـبـعَـرُ شـاةٌ عِـنـدَكُم مَكَثَت ** طَعامُها الأَبيَضانِ الشَمسُ وَالقَمَرُ
لَو أَنَّهـا أَبـصَرَت في نَومِها عَلَفاً * غَـنَّت لَهُ وَدُمـوعُ العَـيـنِ تَـنـحَـدِرُ
أَبَت شَفَتايَ اليَومَ إِلّا تَكَلُّماً * بِشَرٍّ فَما أَدري لِمَن أَنا قائِلُه
أَرى لِيَ وَجهاً شَوَّهَ اللَهُ خَلقَهُ * فَقُبِّحَ مِن وَجهٍ وَقُبِّحَ حامِلُه
أظنُّ ألّا حاجةَ لكم بعرضِ شعرِ هجاءٍ معاصرٍ، وما من موجبٍ لإكْتِئابِ، ولكن هاكُمُ منهُ قبصةُ من شعابِ؛
[القدس عروس عروبتكم، فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟ ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها؟ وسحبتم كل خناجركم، وتنافختم شرفا، وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض. فما أشرفكم، أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة؟ أولاد القحبة].
أفَرَيتُمُ البَوْنَ كم هوَ واسع ومجٍّ ويُعاب، والفرقَ كم هوَ شاسع وثجٍّ وفي تباب!
قد أعلمُ ياصاحُ أَنَّ مقالتي هذهِ جُنُبٌ، وَلن تغتسِلَ بِمَاءٍ من فنونِ أدبٍ مُحدثٍ بإضطرابِ، ورُبَما لن تَسْتَعْسِلَ رضىً وإعجابٍ من أحبابِ لي ومن صحابِ، ولكن لنا أن نعلمَ ياصاحُ أنَّ الهِجاءَ فنٌّ على لسانِ شاعرٍ غاضبٍ مُعَلعَلَ الأعصابِ، فَيَقصُفُ طَرْقاً وبَرْقَاً بهِ خصيمَهُ دونَ عِتاب، ولاشَكَّ أنّهُ باتَ بينَ أيدينا أرثُ (شاعرٍ) أسمهُ "مظفّرُ النّواب"، وعلى الرّفوفِ سيُخَلَّدُ إرثُهُ لقادمٍ من أعقابٍ ومن أصلاب، ولَعلّهُ رحمهُ اللهُ - إن رحلَ موحداً ولم يُغضِبِ رحمةَ الوهّابِ - قد زعمَ أنّهُ في فنِّ (الهِجاءِ) فطحلٌ ونابغةٌ دون إرتيابِ، أوهكذا لَفَحَهُ فنَفَخَهُ فصَيّرَهُ مَن كَفَّ خُفَّهُ عن تلالِ بلاغةِ ألأعرابِ، ومَن جَفَّ جُبُّهُ مِن زلالِ فَصاحةٍ، ومن نحوِ وإعرابِ.
ولاريبَ أنَّ الأدبَ بئرٌ، ماؤهٌ عاكسٌ لسُمُوِّ أمَّةٍ بِإقتِضَابِ، فإن كانتِ الأمَّةُ في عُلُوٍّ، جاءَ أدبُها كدُرَرِ يسيلُ لأجلِها ماءُ اللعابِ، وإن كانتِ الأمَّةٌ في دنُوٍّ جاءَ أدبُها كسُرَرِ (جمع سُرّة) لعجائزٍ بعِلَلِ وأتعابِ، أو كصُرَر (جمع صُرّة) من دنانيرَ مُمَزَّقةٍ ل " أولادِ قحابِ ". وإذاً، فكيفما كانَ هوى أمَّةٍ، كانَ أدبُها تُبَّعاً لهُ في كتابٍ أو في خِطابِ. والحقَّ أقولُ؛ الذَّنبُ هاهُنا ماهوَ بذنبِ أبنُ بني النّوابِ، رغمَ أنَّ رماحَ لَغوهِ تَجَرَّأت فَفَقأَت عُيُونَ بَيَانٍ غيرَ مُفَصَّلٍ بِتَحَشرِّ الأقشَابِ، وطَفَّأَت جُفُونَ كِيانٍ غيرَ مُخَصَّلٍ بِتَكَشِّرِ الأنيابِ، وأقبلَ (شعرُهُ) محمولاً على ثَرثَرَةٍ مَا تَداوَلَتها مِن قَبلُ فصاحةَ الأَنسَاب، ومجبولاً على جَرجَرَةٍ مَا تَنَاوَلَتها شيبةٌ من أَحسَابٌ ولا شبابِ، فلا لَمعَ في شعرهِ، ولا فيهِ نَفعٌ، ولا صوابِ. وإنّما الذَّنبُ ذنبُ مَنِ إستَلقى على غُثاءٍ وعَواءٍ بإرتيابِ، وما إستبقى ذَرَّةً من سَناءٍ لبِناءٍ من سلفٍ على هضابِ، فضاعَ منهُ نبيلَ البنانِ، وأصيلَ البيانِ، وجميلَ خطاب، وما ذاكَ إلا انّ فِكرَهُ مُتَقَلقِلٌ في سَرَفٍ من سَرابِ، وذِكرُهُ مُتَخَلخِلٌ في خَرِفَ من رِهَابِ، وأضحى مُبلِساً مُفلِساً غيرَ مُتَلَمِّسٍ لشدَى كتابٍ، وغيرَ مُتَحَمِّسٍ لندى آدَابِ، فأضحى فكرُهُ لا يَعرِفُ (الوسادةَ) من اللحافِ في إحتجابِ، وذِكرُهُ لا يَغرِفُ من حكمةٍ بزغت من عقابٍ أو ثَوَابِ.
وهاهوذا البيانُ في أمّتِنا قد باتَ كَطَنينٍ لِفَوجٍ مِن ذُبَابِ، وإذ وجوهُ النّاسِ فيهِ مُكبكَبةٌ بترحابِ، وكلُّ تراهُ مُكَبكَباً، مَن أرتدى ربطةَ عُنُقٍ، ومن إعتدى عليها وإهتدى لجلبابِ.
أوَليسَ جميلاً أَن يُصَفَّى الفَاهُ من حشوٍ ومن لَغوٍ بإسهابِ؟ وأن يُوَفّى المِيثاقُ إنِ النّاسَ خَاضُوا فِي شغَبٍ ولَغْب بإنجذابِ؟ فيعودُ الفاهُ كرَّاً الى لآلئِ الأولينَ من أولي حُلُمٍ وألبابِ، فيَتَلَهَّجُ ببيانِ تفاخرٍ لهمُ بأحسابِ وألقابِ، و يَتَغَنَّجُ بتغزّلٍ لهمُ بعيونِ المَحْبُوبِ والأهدابِ، ويَتَبَلَّجُ بمديحٍ وثناءٍ لهمُ على فنونٍ الحربِ في الصّعابِ، ويَتَخَلَّجُ بفصيحٍ من هجاءٍ آسرٍ حرفُهُ، ساحرٌ ذرفُهُ على مدى الأحقابِ، وهاكُمُ قبسٌ من لمساتِ ل(هجاءٍ) آسرٍ للُّبِّ وخلّابِ، لكي نعلمَ ما أصابَ مضاربَ شعرِنا من إنقلابٍ، وما أرابَ محاربَ نثرِنا من إغترابِ؛
أَبـا سَـعـيـدٍ لَنا في شاتِكَ العِبَرُ * جـاءَت وَمـا إِن لَها بَولٌ وَلا بَعَرُ
وَكَـيـفَ تَـبـعَـرُ شـاةٌ عِـنـدَكُم مَكَثَت ** طَعامُها الأَبيَضانِ الشَمسُ وَالقَمَرُ
لَو أَنَّهـا أَبـصَرَت في نَومِها عَلَفاً * غَـنَّت لَهُ وَدُمـوعُ العَـيـنِ تَـنـحَـدِرُ
أَبَت شَفَتايَ اليَومَ إِلّا تَكَلُّماً * بِشَرٍّ فَما أَدري لِمَن أَنا قائِلُه
أَرى لِيَ وَجهاً شَوَّهَ اللَهُ خَلقَهُ * فَقُبِّحَ مِن وَجهٍ وَقُبِّحَ حامِلُه
أظنُّ ألّا حاجةَ لكم بعرضِ شعرِ هجاءٍ معاصرٍ، وما من موجبٍ لإكْتِئابِ، ولكن هاكُمُ منهُ قبصةُ من شعابِ؛
[القدس عروس عروبتكم، فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟ ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها؟ وسحبتم كل خناجركم، وتنافختم شرفا، وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض. فما أشرفكم، أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة؟ أولاد القحبة].
أفَرَيتُمُ البَوْنَ كم هوَ واسع ومجٍّ ويُعاب، والفرقَ كم هوَ شاسع وثجٍّ وفي تباب!
0 تعليقات
إرسال تعليق