اسماعيل السوداني

(هذه تجربة شخصية ليس بالضرورة ان يتفق الجميع معها. 


ما اكتبه ليس لمقارنة الامس باليوم. شخصيا اعتقد ان العراق اليوم يمر باسوء حال و هذا لا يعني ان الامس كان مشرقا ابدا فاليوم هو امتداد ثقافات و زرع الامس).
في العراق نسمي ايامنا بتسميات مختلفة و لكن اغلب هذه التسميات ترتبط بذكريات مؤلمة و حزينة و هي كثيرة و هي ناتج تجارب مر بها الشعب العراقي لعقود مضت و لازالت و اغلبها ترتبط بالحروب و عسكرة المجتمع و كان الله انزلنا نحن العراقيين على هذه البقعة من الارض لننذر انفسنا للحروب و الموت بدلا من الحياة فالله سبحانه و تعالى يبث الروح فينا كي نعيش و نعمر و نبني و نعمل و نكدح كي نسعد في حياتنا لا ان نموت في حروب  اسباب نشوبها نجدها تافهة مع مرور الزمان فكل الحروب التي مرت هي حروب انتهت كما ابتدات و دفع الشعب الضريبة  فيها و حروب اخرى عبثية بامتياز و من حرب الى حرب حتى انتهى العمر مع يوم الالتحاق الذي جربته اكثر اجيال الشعب من الشباب في عمر الزهور يوم نشعر فيه بالمرض و تغير المزاج و الدوران و الذاهب فيه لا يعرف انه سيعود ليرى من ودعهم من اهله و اولاده و اصدقاءه.
كانت امهاتنا و زوجاتنا ترش الماء خلفنا تحسبا ان ذلك فال خير لعودتنا سالمين و كم شاب طشت امه الماء بعده و لم يعود اسيرا او مفقودا او جريحا معوقا او عاد جثمانا محمولا ملفوفا بعلم و ما اكثر الذكريات المؤلمة التي مجرد ان يدخل جثمانا في حيا من الاحياء تجد قلوب الامهات تقفز قلقا و رعبا الا يقف امام باب الدار و لم تتشح حيطان المنازل الا بقطع سوداء نادرا ان يكون حائط بيت في العراق قد نجى من ان تعلق عليه هذه اللافتة السوداء الكئيبة
يوم الالتحاق يترك فيه المرء منا اغلى ما يملك زوجته و اولاده و تمر الدقائق فيها كان جبلا القي على صدورنا مثقل بالهموم
يوم الالتحاق يوما مر من عمر الكثير من العراقيين لكل منا فيه تجربته الخاصة فكنا نلتحق لجبهات القتال الى تلك الصحارى و الجبال و المناطق الكئيبة بكل تضاريسها و ظلامها و لم يكن يوما مكان صالحا للعيش فيه و قد عشنا اغلب اعمارنا نتنقل من مكان لاخر لاننا كنا مجبرين ان نكون هناك و الا لو كان الخيار لنا لمًا قبلنا ان نكون ضحايا في عجلة حرب تدوس كل من يقف امامها و اقل ما يقال عنها عبثية (تعرف الحرب العبثية بانها الحرب التي تنتهي مثل ما بدات بدون ان تحقق اي هدف من اهداف الحرب التي بدات من اجلها)
كم شاب فضل ان يطلق عليه متخاذل و يخاطر بسمعته و سمعة عائلته و حياته من اجل الا يرى يوم الالتحاق
كم شاب فقد حياته و قطع صيوان اذنه و وسم على جبينه هارب كي يتخلص من يوم الالتحاق
لا ادعي البطولة و لم اكن خارقا و لكن كنت اكره يوم الالتحاق لانه يشعرني بان الارض اطبقت على السماء او ان هذا الافق الواسع الرحب امامي لم يكن سوى برزخ ضيق اصغر من خم الابره اسير به مرغما منذ مغادرتي باب بيتي و حزن زوجتي و دموع اولادي المحبوسة بقهر و حتى اصل نهاية ذلك البرزخ في جبهات القتال حيث نهاية العالم و ليس هناك من يسمع ضجيجك الداخلي و سؤالي المتكرر لماذا هذه الحرب الضروس بلا رحمة؟ لماذا تتقطع اجساد الشباب؟ لماذا علينا ان نعيش الكبت و القهر لماذا الامهات او الزوجات عندما يستقبلن اولادهن او ازواجهن عليهن ان لا تنفجر بالسباب على من كان السبب في حرمانهن من معيلهن او اولادهن لماذا التي كسرت ظهرها الحروب عليها الا تستاء عندما ترى ثمرات حياتها تتهاوى امامهن مقطعة الاجساد و قسم منهم تميزهن امهاتهم او زوجاتهم بعلامات جسدية لان اما الوجه مشوه او مقطوع. بعض الناس استلموا قطع اللحم باكياس و احتاروا.
الغريب في الامر ان عوائل كان فيها من هو شهيد بطل و اخر متخاذل و اخر عميل في لوحة سيريالية لا يمكن ان يكون لها مثيل الا في العراق.
يوم الالتحاق يوم مشؤوم كنت استيقظ باكرا و لا اشتهي الطعام و لا حتى قطرة ماء و استمر بالتقيوء حتى اصل الى نهاية البرزخ الذي ينتظرني فاتحا ذراعيه لي و لكل الشباب الاخرين من العراقيين الذين وجدوا في المكان الخطا و ولدوا في زمان خطا و يكبل ايادينا باصفاد القبول مرغمين ان نموت رغم عدم ايماننا بان الحرب هي الحل.