علي السوداني
ثمة الكثير من الأوجاع النابتة والقليل من السعادات وعكرة المزاج التي تشبه وجه جار الحارة مجيد السباك . عرفته منذ ازيد من خمس عشرة سنة وهو ليس من صنف سابع جار ، حيث يبعد مسكنه الغاطس خمسة أمتار عن صفحة الأسفلت ، مسافة عشر عمارات وقطعة أرض موحشة ومطعم فلافل صغير جداً وهو بحجم دكانه الذي يستقبل فيه الزبائن وسياراتهم العليلة التي تسعل دخاناً أسود كأن ببطونها صديد وصدأ قديم . كان مشاءً وحيوياً ولا يبدو عليه أنه يؤدي رقصة عرجاء بخاصرة عقد الستين ، وقد بذلت جهداً رائعاً كي لا أراه كثيراً وأتحمل آلام لغته وقصصه المكرورة خاصة تلك المتصلة بسيارة أبيه الملكية البائدة ، ومما يفاقم مصيبتي أن أبا الأمجاد كان يحدثني وهو مبتسم بطريقة منفرة كأنه رجل دين غني يدوس بيده الثقيلة بطون الجياع وخيالاتهم غير المكلفة ، وكان عليَّ أن أوافقه حتى على التفاصيل المملة والأكاذيب البائتة على جسد الحكايات .
أسوأ المصادفات وأقساها على قلبي هي لحظة نزولي الى الشارع ومفتتح طقس مشية العوافي وكشف ثنيات المساء الغامضة ، فيأتيني صوت السباك من الخلف كأنه طعنة مباغتة ، ليسألني عن وجهتي فأكذب وأقول له أنني ذاهب لشراء الخبز والطماطة والباذنجان الضخم من دكان بعيد بآخر المدينة ، فيعرض عليَّ الرفقة فأقبلها بغضب مغلي فائر وابتسامة هائلة تشبه طلعة صاحبي كاظم الجماسي .
قبل الوصول الى الدكان الافتراضي اللعين ، سأخبر مجيد وجه البعير الغليظ بأنني بدلت رأيي في مسألة شراء الخبز وملحقات اللذة ، فيفرح ويعيدني ثانية الى باب الدار مشياً وقصاً ونغزاً بمنطقة المثانة في حال يراني فيها غير مكترث بما يحكي ويريد .
مرة جرجرني حظي المسخم الأسود الى المرور بباب دكانه فلوحت له بيدي تلويحة يابسة فقام من على كرسيه المائل وقطع الشارع واستوقفني وصفعني بسؤال الوجهة اليوم ، فأخبرته بنيتي زيارة طبيب الكلى وعيادته المعلقة بقدم جبل القلعة من صوب المدرج الروماني ، وكان أملي بالله عظيماً بأن يهدي هذا الكائن فيعود الى باب رزقه وكده الحلال .
لم يحدث هذا بالطبع لأن مجيداً قد ذهب الآن مذهب الاحتمال الميت وقال أنه هو الآخر يعاني من حرقة بول وعطب كلوي غير مفهوم وأنه سيغلق الدكان ويصحبني في رحلة الاستشفاء وإعمال الرأس من أجل تدبر كذبة جديدة قبل الوصول الى غرفة الطبيب المتخيل .
الحق الحق هو أنني لم أكره هذا الجار أبداً ولم اصعد الى سطح العمارة بليلة مباركة مقمرة وأدعو من الرب القدير أن يقبض روحه ، لكنني كنت أتمنى أن تنمو بباطن قدمه وبين أصابعه الطويلة كمية جيدة من المسامير اللحمية الخشنة ، وبهذه الختمة الحسنة سيكون من الصعب عليه مكاتفتي برحلة حتى لو كانت الوجهة ، حاوية الزبل القائمة بأول الزقاق وهي تفتح فمها العملاق للقطط وللأكف الغضة التي تبحث عن علب الألمنيوم العزيزة .
ثمة الكثير من الأوجاع النابتة والقليل من السعادات وعكرة المزاج التي تشبه وجه جار الحارة مجيد السباك . عرفته منذ ازيد من خمس عشرة سنة وهو ليس من صنف سابع جار ، حيث يبعد مسكنه الغاطس خمسة أمتار عن صفحة الأسفلت ، مسافة عشر عمارات وقطعة أرض موحشة ومطعم فلافل صغير جداً وهو بحجم دكانه الذي يستقبل فيه الزبائن وسياراتهم العليلة التي تسعل دخاناً أسود كأن ببطونها صديد وصدأ قديم . كان مشاءً وحيوياً ولا يبدو عليه أنه يؤدي رقصة عرجاء بخاصرة عقد الستين ، وقد بذلت جهداً رائعاً كي لا أراه كثيراً وأتحمل آلام لغته وقصصه المكرورة خاصة تلك المتصلة بسيارة أبيه الملكية البائدة ، ومما يفاقم مصيبتي أن أبا الأمجاد كان يحدثني وهو مبتسم بطريقة منفرة كأنه رجل دين غني يدوس بيده الثقيلة بطون الجياع وخيالاتهم غير المكلفة ، وكان عليَّ أن أوافقه حتى على التفاصيل المملة والأكاذيب البائتة على جسد الحكايات .
أسوأ المصادفات وأقساها على قلبي هي لحظة نزولي الى الشارع ومفتتح طقس مشية العوافي وكشف ثنيات المساء الغامضة ، فيأتيني صوت السباك من الخلف كأنه طعنة مباغتة ، ليسألني عن وجهتي فأكذب وأقول له أنني ذاهب لشراء الخبز والطماطة والباذنجان الضخم من دكان بعيد بآخر المدينة ، فيعرض عليَّ الرفقة فأقبلها بغضب مغلي فائر وابتسامة هائلة تشبه طلعة صاحبي كاظم الجماسي .
قبل الوصول الى الدكان الافتراضي اللعين ، سأخبر مجيد وجه البعير الغليظ بأنني بدلت رأيي في مسألة شراء الخبز وملحقات اللذة ، فيفرح ويعيدني ثانية الى باب الدار مشياً وقصاً ونغزاً بمنطقة المثانة في حال يراني فيها غير مكترث بما يحكي ويريد .
مرة جرجرني حظي المسخم الأسود الى المرور بباب دكانه فلوحت له بيدي تلويحة يابسة فقام من على كرسيه المائل وقطع الشارع واستوقفني وصفعني بسؤال الوجهة اليوم ، فأخبرته بنيتي زيارة طبيب الكلى وعيادته المعلقة بقدم جبل القلعة من صوب المدرج الروماني ، وكان أملي بالله عظيماً بأن يهدي هذا الكائن فيعود الى باب رزقه وكده الحلال .
لم يحدث هذا بالطبع لأن مجيداً قد ذهب الآن مذهب الاحتمال الميت وقال أنه هو الآخر يعاني من حرقة بول وعطب كلوي غير مفهوم وأنه سيغلق الدكان ويصحبني في رحلة الاستشفاء وإعمال الرأس من أجل تدبر كذبة جديدة قبل الوصول الى غرفة الطبيب المتخيل .
الحق الحق هو أنني لم أكره هذا الجار أبداً ولم اصعد الى سطح العمارة بليلة مباركة مقمرة وأدعو من الرب القدير أن يقبض روحه ، لكنني كنت أتمنى أن تنمو بباطن قدمه وبين أصابعه الطويلة كمية جيدة من المسامير اللحمية الخشنة ، وبهذه الختمة الحسنة سيكون من الصعب عليه مكاتفتي برحلة حتى لو كانت الوجهة ، حاوية الزبل القائمة بأول الزقاق وهي تفتح فمها العملاق للقطط وللأكف الغضة التي تبحث عن علب الألمنيوم العزيزة .
0 تعليقات
إرسال تعليق