رامي الشاعر
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني



اجتمع وزراء دفاع دول حلف “الناتو” يوم أمس في قاعدة رامشتاين الأمريكية على الأراضي الألمانية في لقاء تبدو نتيجته الأولية التمهيد للانسحاب التدريجي في المشاركة بالحرب ضد روسيا من الأراضي الأوكرانية.
ولا أشك في تعبير الدهشة الواضحة مرتسمة على وجوه المجتمعين من وزراء الدفاع عندما طالب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في كلمته عبر تقنية الفيديو بـ 1000 دبابة، وصواريخ بعيدة المدى، وطائرات “إف-16″، كما لو كانوا يشاهدون عرضاً مسرحياً من بطولته.
وخلال ذلك الاجتماع، رفض وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس الانطباع السائد لدى الحلفاء بأن ألمانيا وحدها هي من يعارض إرسال الدبابات، حيث أكدت الشركة الألمانية المصنعة لدبابات “ليوبارد 2” الألمانية أنه لن يكون بمقدورها تسليم شحنة إلى أوكرانيا إلا في عام 2024 على أقرب تقدير.
كذلك صرح بيستوريوس عقب الاجتماع بأنه “لا توجد صورة واحدة للآراء، وأن الانطباع بوجود تحالف متماسك وأن ألمانيا فقط تقف في طريقه انطباع خاطئ”.
وكانت دائرة المخابرات الفدرالية الألمانية BND قد أفادت، وفقا لصحيفة “شبيغل” الألمانية، في إطار اجتماع سري هذا الأسبوع مع نواب، بأن خسائر القوات الأوكرانية “فادحة” على الجبهة بالقرب من أرتيوموفسك، وفي إحاطة المخابرات تم سماع عدد القتلى المكون من ثلاث خانات (أرقام) يومياً.
أما وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، فقد أكدت على أن إرسال دبابات “أبرامز” الأمريكية مسألة معقدة جداً، لافتة إلى أنها تحتوي على معدات معقدة يصعب التدرب عليها، كما أوضحت الوزارة أن إرسال تلك الدبابات إلى أوكرانيا مسألة صعبة بسبب الصيانة والتحديات اللوجستية.
وعودة إلى التاريخ، دعا الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل إلى تسليح أوكرانيا، مذكراً أوروبا بمصير نابليون وهتلر، اللذان هزمتهما روسيا، فيما خابت مساعي الأمين العام لـ “الناتو” ينس ستولتنبرغ في توصل المجتمعين بقاعدة رامشتاين إلى “قرارات حاسمة” بشأن المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
من جانبه، صرح المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأنه لا ينبغي المبالغة في أهمية شحنات “الناتو” من الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا، حيث أنها لن تغير شيئا جوهرياً، لكنها سوف تضيف مزيدا من المشكلات إلى أوكرانيا.
على الأرض تقترب القوات المسلحة الروسية من تحرير مدينة أرتيوموفسك، لتقطع بذلك خط الإمداد، على محور أرتيوموفسك (باخموت الأوكرانية) سيفيرسك، وتضع قدميها على الأرض للهجوم على كراماتورسك وسلافيانسك، وتحرر بذلك غالبية أراضي جمهورية دونيتسك الشعبية التابعة لأراضي روسيا، وفقا لاستفتاء شعبي قانوني، وفقا لنفس الآليات التي اتبعها الغرب في “اعترافه” بكوسوفو. شاء من شاء، وأبى من أبى.
سياسياً، وفي تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي، قال الوزير بأن الولايات المتحدة أنشأت تحالفاً بهدف تنفيذ “حل نهائي للقضية الروسية” وإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، فيما يظهر حجم الدعم لأوكرانيا أن الغرب وضع الكثير من موارده في سبيل الحرب ضد روسيا، وقارن لافروف بين إجراءات الولايات المتحدة لإنشاء ذلك التحالف بإجراءات هتلر لدى محاربته الاتحاد السوفيتي.
أظن في رأيي المتواضع أن اجتماع رامشتاين إنما يؤكد على استيعاب العسكريين الأوروبيين لحقيقة أن المعركة مع روسيا بأيادي أوكرانيا سوف تكون نتيجتها الهزيمة المنكرة، واستيعابهم لحقيقة أن مصالحهم، التي وضعوها تحت أيدي نظام الهواة في كييف، أصبحت فعلياً في خطر، وبدأت أجواء الشعور بهزيمة أوكرانيا تسود لدى القادة الغربيين.
وهذا تحديدا، من وجهة نظري، ما يدفع شخص كجوزيب بوريل لأن يبدأ بالتنصل من الدور الذي كان يقوم به، ويقول صراحة إن “الاتحاد الأوروبي ليس طرفاً في الصراع الذي بدأ عام 2014، ولا يريد أن يصبح طرفاً فيه”. ويذكّر بأن “روسيا بلد كبير، وهي معتادة على مواصلة القتال حتى النهاية، وأن تقف على حافة الهزيمة، ثم لا تلبث أن تعيد بناء كل شيء. فعلت ذلك مع نابليون، وفعلت نفس الشيء مع هتلر. ومن السخف الاعتقاد بأن روسيا خسرت الحرب، وأن جيشها غير كفؤ”.
لهذا أصبح الجميع يدركون أن مئات الدبابات الألمانية أو الأمريكية في أوكرانيا سيكون مصيرها الدمار، وأن تقع في أيدي القوات المسلحة الروسية، ولهذا السبب تحديداً يمتنع الجميع الآن عن المشاركة الفعالة والنشطة في الصراع بأوكرانيا، فيما ينفي الغرب الآن كل رهاناته على انهيار الاقتصاد الروسي، وشنه لحرب هجينة ضد روسيا على مدى عقدين من الزمان على الأقل، ومحاولة افتعال أحداث شغب داخل روسيا، تؤدي إلى “ثورة ملونة”، تغيّر النظام، لكي يأتوا بنظام عميل يلائمهم ويتحكمون من خلاله في روسيا ومواردها والقضاء عليها كدولة عظمى.
من الواضح أن الاتحاد الأوروبي بدأ يقتنع بأن الشعب الروسي يدرك خطورة ودقة اللحظة الراهنة، ويؤمن بقيادته، وبقراراتها، وبعمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا لحماية إقليم دونباس وأهله، وأهالي المناطق الجديدة، الذين اختاروا مصيرهم ليكون مع روسيا التي تقود العالم الآن نحو نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وتنهي عقوداً من الهيمنة الأمريكية والغربية.
يدرك العسكريون الأوروبيون أن التكتيكات التي يتبعها الجيش الروسي لن تستطيع أي قوة في العالم إيقاف تقدمه، وسوف يستمر في التقدم لتحقيق كافة أهداف العملية العسكرية الخاصة، ليصل إلى حدود آمنة للدولة الروسية مع “الناتو”، بعد أن تغوّل الحلف والتهم مئات الكيلومترات شرقاً، على الرغم من وعوده في القرن الماضي بعدم التمدد.
ولجوء “الناتو” لاستخدام أسلحة تكتيكية نووية، لمنع تقدم روسيا، سوف يأتي بانعكاسات كارثية على دول أوروبا الغربية، وروسيا قادرة ومستعدة لمواجهة كافة السيناريوهات.
وختاماً أود التأكيد على أن الدول العربية من جانبها قد استوعبت النتائج المتوقعة والتطورات على الساحة الدولية جراء العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، ما دفعها لاتخاذ موقف حيادي، والعالم العربي يعي تماماً حقوق الشعوب والقوانين الدولية في تقرير مصيرها، ويكفي أن نذكر موقف روسيا المبدئي بخصوص القضية الفلسطينية، الأمر الذي أكد عليه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في مؤتمره الصحفي قبل عدة أيام، حينما لفت الأنظار إلى أن الدول الغربية لا تحرك ساكنا لتسوية أزمات الشرق الأوسط بعدما تحولت إلى الهدف الجديد المتمثل في استنزاف روسيا وإلحاق “هزيمة استراتيجية” بها، متابعاً: “هناك استياء واضح يشعر به زملاؤنا في العالم العربي إزاء حقيقة أن الغرب الذي يطرح يومياً مطالب بشأن أوكرانيا، لا يفعل شيئاً على الإطلاق بشأن القضية الفلسطينية”.
ويتابع لافروف: “إن ذلك يسبب خيبة أمل عميقة لأن أيا من قضية فلسطين والتسوية في ليبيا، بعد أن دمّر الغرب هذا البلد، لا يشهد تقدماً يذكر، كما لا تزال هناك مشكلات في العراق، وأنحاء أخرى بالمنطقة، لكنها بالطبع أصبحت في المرتبة الثانية إن لم تكن الثالثة في أولويات الغرب، مقارنة بضرورة استنزاف روسيا وإلحاق هزيمة استراتيجية بها”.
ويقول لافروف أيضاً: “يرى زملاؤنا أن لدينا موقفاً مختلفاً، ونحن نقدر ذلك، نحن لا نضعف جهودنا بشأن القضية الفلسطينية وسوريا والتسوية الليبية، ونخطط لإجراء اتصالات رفيعة المستوى مع زملائنا العراقيين بشأن العراق. من المهم ألا ننسى هذه الصراعات، وعلى وجه الخصوص الصراع الفلسطيني، أقدم صراع لم يتم حله على هذا الكوكب. كان من الممكن أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة أكثر نشاطاً في الترويج لهذه الأجندة كواحد من المشاركين في اللجنة الرباعية للتسوية في الشرق الأوسط”.
بدوري أكرر مناشدة لافروف للأمين العام للأمم المتحدة بالترويج لتفعيل أجندة اللجنة الرباعية كأحد المشاركين في هذه اللجنة، وضرورة تشكيل وفد من جميع وزراء خارجية الدول العربية برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للقيام بجولة تطوف بأعضاء الرباعية: روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.