بقلم: استاذ الفكر السياسي
الدكتور: أنمار نزار الدروبي
من خلال مراجعة تحليلية للعلاقات الإيرانية السعودية منذ قيام الجمهورية الإسلامية 1979 شهدت هذه العلاقة حالة من التوتر والنزاع، ثم تحول هذه النزاع إلى صراع بين البلدين، بالتالي فإن حالة العداء كانت هي الحالة التي تميز العلاقات بين البلدين. وربما يمثل البعد الأيديولوجي أحد أهم وأخطر أسباب الصراع بينهما، إلا أن أصبح واضحا هناك تهديد على واقع المنطقة بأسرها يكشف عن سياسة بعيدة المدى تخطت الأبعاد الأيديولوجية.
بلا شك من أهم نتائج عودة العلاقات السعودية الإيرانية هي، انتهاء أو تحجيم حروب الوكالة في المنطقة وغيرها، ولكن لنناقش الموضوع تاريخيا وفكريا وانعكاساته على مستقبل الشعوب العربية والإسلامية. بمعنى يجب أن نستند على تنظير يضفي القداسة لعودة هذه العلاقات.
بلا شك من أهم نتائج عودة العلاقات السعودية الإيرانية هي، انتهاء أو تحجيم حروب الوكالة في المنطقة وغيرها، ولكن لنناقش الموضوع تاريخيا وفكريا وانعكاساته على مستقبل الشعوب العربية والإسلامية. بمعنى يجب أن نستند على تنظير يضفي القداسة لعودة هذه العلاقات.
ماذا يخبرنا التاريخ؟
إن من أهم الخلافات التي تميز العلاقات السعودية الإيرانية هو الممر المائي بينهما (الخليج العربي أم الخليج الفارسي) لاسيما قد اقترحت أسماء بديلة من قبل العرب والإيرانيين في مراحل مختلفة. منهم من دعى إلى إطلاق الخليج (العربي الفارسي) ورأي آخر أطلق عليه (الخليج الإسلامي) إلا أن إيران كانت وماتزال تصر على تسميته الخليج الفارسي. في السياق ذاته امتازت العلاقات السعودية الإيرانية المعاصرة بين نوع من التقارب والتنافر، وذلك لحساسية منطقة الخليج العربي وما تتمتع به هذه المنطقة من مميزات كونها غنية بمصادر الطاقة والغاز. لكن بحكم موقع إيران الجيوبولتيكي ودورها الإقليمي استطاعت أن تلعب دورا مهما ومؤثرا في المنطقة. وعلى الرغم من وجود علاقات اقتصادية كبيرة وهامة بين إيران وبعض دول الخليج، إلا أن العلاقة بينها وبين المملكة العربية السعودية تحديدا استمرت بالتعقيد لفترات طويلة.
من هنا، فإن التقارب السعودي الإيراني كثيرا ما أعاقته العقبات التي أقامتها التضاريس العقائدية، حيث ظلت الخلافات الأيديولوجية مقيمة بينهما لعقود طويلة، وكانت حاجزا فاصلا كبيرا. ناهيك عن العامل الخارجي والتدخلات الدولية والإقليمية، تلك التدخلات التي أثرت سلبا على هذه العلاقة، وأعني هنا بالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف كان دور الأمريكان جلي واضح على الصعيد الاستراتيجي، لاسيما أن الولايات المتحدة الأمريكية قد احتفظت بفاعلية الخلاف الأيديولوجي بين المملكة العربية السعودية وإيران ووظفته بشكل ناجح لدعم مخططها التخريبي ليس فقط بين السعودية وإيران بل في المنطقة بأسرها. ويتجلى هذا الدور الأمريكي أيضا في الحياة السياسية، وبالتالي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بين بعض المجتمعات العربية والإسلامية.
ملامح مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية على الشعوب العربية والأمة الإسلامية:
كان لانتشار الاحساس بالمحتوى الأيديولوجي للشعور بين البلدين، لبس لبوس مظاهر شديدة الاختلاف من بلد إلى آخر في المنطقة العربية، وقد ارتبطت هذه الاختلافات بالوضع المدني وبالنظم الاجتماعية بين بعض من الشعوب العربية، لا سيما أن الانتماء الطائفي كان دائما سببا قويا للاضطراب في علاقات الأمة الإسلامية بصورة عامة، وأنه كان يقاوم دائما النظام الإقليمي القائم. إن الشعور بالطائفية رغم أنه يتجلى ضد الأحساس الوطني للشعوب العربية، إلا أنه من حيث المبدأ، ليس مسيطرا بقوة، تلك كانت نظرية زعماء البيت الأبيض منظري سياسة التفرقة والفوضى والصراع داخل الشرق الأوسط. لذلك كانت بعض الدول العربية ملزمة بهذا النهج، وقد كان هذا العيب مفروضا بواقع الظروف. أما بعودة العلاقات السعودية الإيرانية، يندر أن يكون العامل الأيديولوجي حاضرا ومؤثرا، طالما تكتب الدبلوماسية وعلاقات الأخوة والصداقة وحفظ الأمن والسلم للأمتين العربية والإسلامية وللعالم.
من هنا نضع بعض التوصيات المهمة:
1. يجب مراجعة المفاهيم والرؤى المتعقلة بمستقبل العلاقة بين إيران والمملكة العربية السعودية، وإعادة قراءة هذه العلاقة وإخراجها من سياق التجاذبات والصراعات الطائفية والسياسية. وذلك نتيجة الضرر الكبير الذي أصاب المجتمعات العربية، باعتبار أن البلدين يمثلان مركزا مهما في الإسلام ومحوره، الذي ينبغي أن تدور في فلكه الأفراد والمجتمعات، فأصبح الخلاف بينهما سلاحاً يُشهر في وجه المخالفين والمعارضين للدولة وتبرير سياسات القمع التي تنتهجها بعض الأنظمة السياسية ضدهم. وليس أدلّ على ذلك من ربط المصطلح بالعنف وكذلك بحروب الوكالة كما ذكرنا آنفا، بشكل أدّى إلى نتائجَ كارثية على المِنطقة وشعوبها.
2. يجب دراسة عمليات التحول في العلاقات السعودية الإيرانية، في ظل التحولات المحليّة والإقليميّة والدوليّة في الوقت الراهن، واستقراء مستقبل الفكر السياسيّ لدى هذه العلاقة واحتمالات تحولاتها، وثقلهما الاجتماعيّ والسياسيّ في المنطقة والعالم، وكذلك تأثير عودة هذه العلاقات على النخب الحاكمة والقوى الاجتماعيّة والسياسيّة في الوطن العربي والمحيط الإقليمي.
3. بما أن الإعلام أصبح أحد أقوى أدوات الاتصـال العصـرية التـي تُعـين الجمهـور المتلقـي علـى معايشـة العصـر والتفاعل معه، كما أن لوسائل الإعلام دوراً مهمًّا في شـرح القضـايا وطرحهـا علـى الـرأي العـام مـن أجـل تهيئتـه إعلاميًّا، وبصـفة خاصة تجاه القضايا المعنية بالأمن الوطنيّ، بالإضافة إلى ما يحصل علـى المسـرح العالمي. إذن على وسائل الإعلام أن تتعامل بمهنية وشفافية مع عودة العلاقات السعودية الإيرانية، بمعنى أنها يجب أن تدعم عودة هذه العلاقة، ولا تكتفي فقط بتغطيتها أو تسيسها وَفق مصالح وجهات معينة قد تكون السلطة أو المعارضة أو جهات سياسية أو مالية، حيث إن وسـائل الإعـلام لهـا دورٌ فاعـلٌ فـي تشـكيل سـياق العلاقات الدولية بصورة عامة، في الوقت نفسه على العالم الإسلامي الشروعُ في حملة إعلامية مكثفة عبر وسائل إعلام مستقلة غير موجهة تُعبر عن دعمها لعودة العلاقات السعودية الإيرانية، والابتعاد عن الأيديولوجية القائمة على الكراهية.
ملامح مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية وأثرها على الخطاب الديني:
يُعدُّ الخطاب الدينيّ المؤثر الأول في انتشار الفكر وتبنيه، ويلعب الخطاب الدينيّ دوراً مهمًّا في صياغة المجتمع وبنائه، حيث يشهد عالمنا المعاصر صراعات متعددة الأشكال تدخل فيها الخلافات العرقيّة والدينيّة بسبب الخطاب الدينيّ المتشدد. وبما تاريخ العلاقات السعودية الإيرانية، ليس منفصلاً عن الخطاب الدينيّ العام، بل هو امتداد له وإفراز سلبيّ عنه، وأحد أعراض قصور الخطاب الدينيّ العام، فهنالك الكثير من تيارات بمختلف أشكالها واتجاهاتها تطرح توجهاتها التابعة للمحورين، كونه عقيدةً ومشروع الدولة الدينيّة على أساس الشريعة الإسلاميّة. عليه يجب تجديد الخطاب الدينيّ بينهما، والتفرقة بين الخطاب الطائفي والخطاب السياسي.
ما هو دور الأنظمة العربية الحاكمة في ظل عودة العلاقات السعودية الإيرانية؟
إن مسؤولية الأنظمة الحاكمة هي إيجاد مشروع يتميز بمشاركة واسعة من الأطراف الفاعلة كافةً في المجتمع ابتداء بالدولة إلى مؤسسات المجتمع المدنيّ، إلى الأفراد بهدف دعم عودة العلاقات السعودية الإيرانية، من خلال الإصلاح والحوار والانتماء، والمشاركة، والتسامح، والحرية، والتأهيل المجتمعي لهذه العلاقة، بعيداً عن التمييز على أساس الانتماء الطائفيّ والمذهبيّ والعرقيّ.
وتأسيسا لما تقدم، يجب معالجة المؤسسات الدينية في كلا البلدين للمفاهيم الخاطئة للدين التي تروج في المجتمع، وهذا ما قامت به وماتزال تعمل عليه القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية. ولا يحق لأي جهة مهما كانت احتكار الدين لنفسها وتجييره لمصالحها السياسيّة وإضفاء القدسية على توجهاتها.
عودة العلاقات السعودية الإيرانية وأثرها في القضاء على الإرهاب:
بعودة العلاقات بين البلدين وبصورة صحيحة سيتم القضاء على الإرهاب بكافة أشكاله، حيث سيتم معالجة الجوانب الفكريّة والثقافيّة للمجتمعات العربية وإصلاحها، لأن الخلاف أصبح جزء لا يتجزأ من ثقافة توارثتها المجتمعات والشعوب دون مراجعتها وتمحيصها، ولذلك يسهل على دعاة العنف والإرهاب استقطاب عدة شرائح من المجتمع، فالمسألة ثقافية مرتبطة بالوعي بامتياز، ولا يمكن التحرر من ثقافة الإرهاب والتطرف إلا بالمراجعات الفكريّة والثقافيّة، وتحرير الدين مما يشوه الدين نفسه من خلال الرد على ادّعاءات المتشددين والتكفيريين الذين يستخدمون العامل الطائفي لتغذية أفكارهم المتطرفة ونشرها، ولا يمكن أن تقوم بهذه الإجراءات إلا الدول الإسلامية بصورة عامة، والمملكة العربية السعودية وإيران تحديدا.
بالتالي قراءة التداعيات والنتائج المترتبة والإشكاليات المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية وتحديداً بعد ظهور تنظيم داعش في العراق وسوريا، بالإضافة إلى تمدُّد هذا التنظيم في ليبيا وبعض الدول العربية الأخرى، وكذلك قيام التنظيم بالكثير من العمليات الإرهابية في عدد من الدول الأوروبيّة حيث كان لهذه الأعمال الإرهابية دلالات وانعكاسات دولية وعالمية كبيرة وخطيرة على الأمتين العربية والإسلامية.
0 تعليقات
إرسال تعليق