علي هاشم
لم يكن إقرار قانون منع استيراد وبيع وتصنيع المشروبات الكحولية سوى جزء من خطة ممنهجة أعدتها أحزاب الإسلام السياسي لغايات عديدة، منها احداث الانقسام الشعبي بين مؤيد ومعارض، كما فعلت في الخطوة التي سبقتها فيما يسمى بـ حملة محاربة "المحتوى الهابط".
أحد أهداف إسلاميو السلطة من إقرار وتفعيل هكذا قوانين، هو مغازلة شريحة المتدينين والمحافظين لأحداث شرخ بينهم وبين باقي أفراد المجتمع، ومن ثم الاستفراد بهم، بعد ان تجعل منهم أداة تساهم وتساعد الأحزاب الدينية في قمع الحريات ومنع "المظاهر غير الإسلامية" في بلد متعدد الطوائف والأديان مثل العراق!
أكبر كذبة روجت لها الأحزاب الدينية الحاكمة هو أنها تؤمن بمبدأ الحريات والتعددية في هذا البلد.
لن اتطرق الى مفهوم الحريات العامة التي هي أصلا (معدومة) في هذا البلد!، ولا اريد الخوض في العلاقة بين سوق المخدرات المحمي من قبل ميليشيات الأحزاب الحاكمة وقرار منع بيع الخمور!، لكن كيف لنظام يدعي العمل بالتعددية الدينية ان يُحرم على جزء اصيل من الشعب ما حللته عليهم أديانهم؟!، وأعني هنا المسيحيين والايزيديين الذين يمتهنون بيع وتصنيع المشروبات الكحولية في العراق منذ زمنٍ بعيد.
الخطوة الاخيرة التي اتخذتها أحزاب الإسلام السياسي ما هي إلا رسالة الى المكون المسيحي مفادها: صحيح انكم العراقيون الاصلاء وديانتكم تسبق ديانتنا بـ قرون!، وعانيتم الأمرّين في أيام حكمنا، لكن اسمحوا لنا ان نؤكد لكم بأنكم "أقلية" في هذا البلد ولا مجال لضمان حقوقكم!
اما الايزيديون، الذي حدثنا التاريخ عن مآسيهم والمجازر التي حلت بهم على مر الأزمنة!، وآخرها ما قامت به قوى الظلام الداعشية في الأمس القريب!، اليوم أصبح لديهم يقين بأن هناك دواعش من نوع آخر يتحكمون بالسلطة ومصائرهم!
تتحجج الأحزاب الدينية بالمادة الثانية من الدستور العراقي التي تنص على ان (الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع)، لتقوم تلك الأحزاب بافتراس كل المكونات العراقية الأخرى، مبررة ذلك بأنها لا ترضى بأي فعل مناف للشريعة الإسلامية.
لذا لا استبعد ان نشاهد عن قريب أحد التابعين لسلطة الإسلام السياسي، يعتلي المنبر ويطالب بغرض الحجاب واعتقال ومحاسبة كل النساء العراقيات السافرات لقيامهن بفعل يتنافى مع الشريعة الإسلامية!
وربما يطالب أيضاً باعتقال ومحاسبة كل النساء الموظفات العاملات في الدولة العراقية لقيامهن بفعل الاختلاط مع الرجال ما يتنافى مع المادة الثانية من الدستور!
ولا استغرب اذا خرج علينا يوماً أحد فطاحلة الأحزاب الدينية مطالباً بـ جلد العوائل التي تقيم الحفلات المصحوبة بالأغاني والموسيقى والرقص، ومنها حفلات الزواج والتخرج، لما فيها من أفعال فجور ومجون تتنافى مع التعاليم الإسلامية!
أن ما تقوم به السلطة الحاكمة هو عملية ترويض المجتمع لتمهيد إعلان (جمهورية العراق الإسلامية) ولتذهب شعارات الحرية والديمقراطية التي يتبجح بها النظام الى الجحيم!
الأحزاب الدينية لا يهمها شكل النظام الدستوري للبلد، بقدر اهتمامها بديمومة السلطة بكل الوسائل الممكنة، ومنها أسلمة الدولة من الالف الى الياء!، ومحاسبة المواطنين وفق مسائل الحلال والحرام بدلا عن القوانين الوضعية!
حرموا علينا ما شئتم، وحللوا على أنفسكم سلب ونهب أموال الدولة ومصادرة حقوق العراقيين، حللوا لأتباعكم القتل والاجرام واسكات كل من يعارضكم بكافة الطرق والأساليب الوحشية، لِمّ لا ونحن نعيش تحت رحمة (ربع الله) وكهنة المعبد وجند الدولة الإسلامية!!
0 تعليقات
إرسال تعليق