بقلم العقيد الركن المتقاعد عمر خلف حسن العكاب


قرار الهجرة الى المدينة


كان لابرام  قرار الهجرة بتاريخ 27 صفر 14 نبوية قرارا ستراتيجيا بعيد المدى , بعدما علم عن طريق الوحي ان قريش تعد مؤامرة لقتله صلى الله عليه وسلم, وان الله قد اذن له في الخروج , كما جاء في قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)الانفال . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مصطحبا معه صاحبه ورفيقه ابي بكر الصديق رضي الله عنه بعناية الله وحفظه , بعدما اخذ بالاسباب سواء بانتخاب طرق غير متوقعة أوفي اختيار اوقات غير محسوبة , وتكليف سيدنا الامام علي رضي الله عنه بالمبيت في مكانه صلى الله عليه وسلم وعدم اشراك اعداد كثيرة معه في الهجرة , فكان تنفيذ القرار ايضا فيه نظرة بعيدة الافق حيث اختيار طريق جنوب مكة باتجاه اليمن, لقطع الاخبار عن الطريق الذي سلكه , حيث لايتوقع احد سلوكه لكونه عكس اتجاه طريق المدينة والمتوقع اتخاذه, وليكون جبل ثور هو هدفه الاول وفي اختياره للجبل امر فيه حكمة, حيث المكان المشرف والمرتفع فلايصله الا من عزم الوصول اليه , وهذ يذكرنا باتخاذه صلى الله عليه وسلم لغار حراء في اعلى جبل ثور للتعبد والعزلة فيه هناك , فلم تكن تلك الاختيارات مجرد صدفة ولكن جاءت من تخطيط سليم وبعد نظر وحكمة ,حيث النظر من مكان مرتفع دائما يختلف عما دون ذلك , وكذلك استأجاره لدليل ماهرا مثل عبد الله بن اريقط الليثي في الطريق ليوصله وصاحبه الى المدينة , وقد اجرى الله سبحانه وتعالى على يده في ذلك السفر آيات تعزز من صدق نبوته وحفظ رسالته وقد انزل الله تعالى آيات تحدثت عن  ذلك ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)  التوبة. وكذلك مادار في خيمة ام معبد التي كانت في طرق هجرته بين مكة والمدينة من حلب الشاة التي خلفها الجهد عن الغنم, او لحادثة سراقة بن مالك عندما ساخت يدا فرسه في الارض وهو يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم , فكانت جميعها رسائل تدل على عناية الله له وان الله ناصره لامحال مهما كثرت حوله المخاطر والصعاب, فالاسباب كلها بيد الله فلاحافظ ولا ناصرولامعز الا الله وحده جل جلاله.
 
فوصل قباء في يوم الاثنين الثامن من ربيع الاول السنة الرابعة عشر للنبوة وهي السنة الاولى للهجرة , واسس هناك مسجد قباء وهو اول مسجد اسس على التقوى بعد النبوة , وارسل الى بني النجار اخواله في المدينة فجاءوا مقلدين سيوفهم فسار نحو المدينة وسميت يثرب بالمدينة المنورة بعدما دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الجمعة من يوم 12 ربيع الاول سنة 14 للنبوة وهي السنة الاولى للهجرة, وكان كل واحد من الانصار يريد ان ياخذ بخطام ناقته لينزل عنده, ولكن حكمته صلى الله عليه وسلم ونظرته البعيدة وحتى لايبقى احد في خاطره كان يقول خلوا سبيلها  فانها مأمورة , فلم تزل تسير حتى وصلت الى موضع المسجد النبوي اليوم فبركت هناك ,ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلا ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الاول ,ونزل عنها وكانت في بني النجار وهم أخواله صلى الله عليه وسلم وكان من توفيق الله فانه احب ان ينزل على اخواله يكرمهم بذلك .

فقد تجلت في هجرته دروس وعبر تستحق الوقوف والتنظير, حيث اتخاذه صلى الله عليه وسلم كل الاسباب  التي من خلالها يمكن الوصول الى المدينة بامان ،وفي نفس الوقت كان ايمانه راسخا بان الله سبحانه وتعالى ناصره لانه صاحب رسالة تريد للعالم والبشرية الخير وانه على حق وان اعدائه هم اهل باطل فلايمكن ان يتغلبوا عليه،فنعم القائد القدوة صلى الله عليه وسلم..