صَلَاح يُوسُف الدَّهَش
مِن الْمَوَاضِيع الَّتِي تُساورَني مُنْذ فَتْرَة طَويلَة، مُدرِكاً أهميّة صِدقها وعُمقها ، هِي العَلاَقَات السَّارِيَةُ فِي الْحَيَاةِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعات بِصُورَة عَامَّة ، فَوَجَدْت أنَّ المَحبَّة وَالتَّسَامُح هُمَا العنصران الأساسيان اللَّذَان يَعْتَمِد عَلَيْهِمَا التَّضَامُن وَالتَّعَاوُن مِنْ أَجْلِ النُّهُوض بِالْبِنَاء والتطوّر والإزدهار وإرساء الهُدوء وَالسَّكِينَة وَرَاحَة الْبَال.
ولأهمية هَكَذَا مَوْضُوع إرتأيتُ أَن أَخُوض فِي رِحَابِهِ لأقتطف بعضاً يسيراً مِمّا يَجُودُ بِهِ قَلَمي مستعيناً بِمَا تعلّمته وَنَشَأَت عَلَيْهِ مُنْذُ نُعُومَة أظفاري مِنْ خِلَالِ جَعَل قَلْبِي ملاذاً للمحبّةِ وسبيلاً لِلْعَفْوِ وَالتَّسَامُحِ ، معطاءً دُونَ مُقَابِلٍ ، صادقاً مَع نَفْسِي قَبْلَ الطَّلَبِ مِنْ أَحَدِ أَنْ يفهمني ، واضعاً الْأَمَل سراجاً يُنِير لِي الطَّرِيق مَهْمَا كَانَ وعراً :
المَحَبَّةُ مصطلحٌ يَرْمِزُ إلَى المَيْلِ للأشياءِ السّارة، وَهِيَ نَوْعٌ خَاصّ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَبّ المُطلَق (اللامحدود واللامشروط)، والمحَبَّة نَقِيض الْبَغْضَاء. فالنَفْسُ البشريةُ تَمِيلُ إلَى كُلِّ مَا تَرَاهُ أَوْ تظنّه خيراً. وتُعَدُّ المَحَبَّة إحْدَى عَنَاصِرُ الحَيَاةِ الأسَاسِيَّة وَهِي نِعمَة وَهَبَهَا اللَّه للبشرية. وَالْقُلُوب الْمَغْرُوسَة بالمَحَبَّة هِيَ تَلِك الَّتِي تَحْتَملُ كلّ شيءٍ وَلَا تَظُنُّ سوءاً وَلَا تتفاخر وَلَا تَحْسِدُ وَلَا تفرَح بالإثْم بَل تَفْرَح بِالْحَقّ. وَمِنْ أَجْلِ الْوُصُولِ إلَى مَرْحَلَةِ المحبّة المتكاملة وَالْعَطَاء الْمُثْمِر لابدّ مِن التحَلّي بِالصِّفَة الْكَامِلَة لِلتَّسَامُح، فَهُنَاك تَرَابط وَثِيقٌ بَيْن عَنَاصِر التَّسَامُح وَالْعَطَاء والمحبّة. وَالتَّسَامُح صِفَةٌ أَنْسَانِية أساسية حَمِيدَة تؤكّد عَلَيْهَا كَافَّة الْأَدْيَان، وَهِي الْعَفْوِ عِنْدَ الْمُقَدَّرَة وَالتَّجَاوُزُ عَنْ إِخْطَاء الْآخَرِين وَإِيجَاد الْأَعْذَار لَهُمْ مِنْ خِلَالِ التركيز عَلَى الْمَزَايَا وَالصِّفَات الْحَسَنَةِ الَّتِي يتحلّون بِهَا بدلاً مِنْ الْعُيُوبِ وَالْأَخْطَاء، وَوُجُوب إبْقَاء الشَّكّ بِأَنَّ قَدْ يَكُونُ الْآخَرُ عَلَى حَقٍّ. ويتجسّد مَبْدَأ التَّسَامُح مِنْ خِلَالِ نِسْيَان كُلّ الْأَحْدَاث المؤلمة الَّتِي يُوَاجِههَا الْفَرْد مَهْمَا كَانَتْ أَسْبَابهَا ومصادرها. وَلَا يَتَحَقَّقُ مَبْدَأ الْمُسَامَحَة لَدَيْنَا إلّا مِنْ خِلَالِ خطواتٍ أساسيةٍ تَبْدَأُ مِنْ إدراكنا لأهمية أَنْ نَكُونَ اُناساً متسامحين، وَتَوْلِيد الرَّغْبَة بدَواخِلِنا لِنَكُون كَذَلِك، ويؤازرها ضَرُورَة الاِسْتِفادَةُ مِن التَّجَارِبِ الَّتِي مَرَرْنَا بِهَا وخضناها خِلَال مَرَاحِل حَيَاتِنَا الْمَاضِيَةَ وَمَا تمخّضت بنتائجها محاولين التخلّص مِنْ الْمَشَاعِرِ السَّلْبِيَّة وَأَعَادَة تَغْذِيَة أَجْسَامُنَا بِالطَّاقَات الْإِيجَابِيَّة مِنْ خِلَالِ تَحْقِيق التَّسَامُح بِهَيْئَة الْأَفْعَالِ الَّتِي تَتَطَلَّب مَجْهُودَات لِاِتِّخَاذ قَرَارَات التَّصَرُّف السَّلِيم بِمُسَامَحَة الْآخَرِين.
وَلَا بُدَّ مِنْ خِتَام هَذِه الخاطِرَة بِالْقَوْل أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي يمتلك الرَّحْمَةِ فِي دَاخِلِهِ هُو الْوَحِيد الَّذِي يَقْوَى عَلَى التَّسَامُحِ، وَهَكَذَا شَخْصٌ هُوَ الْإِنْسَانُ ذُو الْقَلْب الرَّحِيم وَالْعَقْل الْحَكِيمِ الَّذِي يُقَوّي عَزِيمَته ويَمْنَحه الْإِرَادَة، فَإِنْ مَرِضَ الْقَلْب غَابَت الرَّحْمَةِ وَإِنْ إعْتَلَّ الْعَقْل تَضَعْضَعَت الحِكْمَة وَيَمُوت كُلّ شيءٍ بِمَوْت الضَّمِير.

0 تعليقات
إرسال تعليق