كريم النوري 

قبل سبعة قرون تنبأ ابن خلدون بسقوط الدول مما يستدعي الخراب المعاصر إعادة فكر ابن خلدون ونظرته لقيام العمران البشري وسقوطه، فصاحب المقولة الخالدة "الظلم مؤذن بخراب العمران" فسّر كيف تصل الدول إلى الظلم الطاغي وآثار هذا الظلم ومآلاته على المجتمع والناس والعمران، في مقدمته الشهيرة.
ولا يرى ابن خلدون قيام الحياة الاجتماعية إلا بالدولة، ويقول: باجتماع "الدولة والملك والعمران" فلا يمكن تصور انفكاك احدى هذه الثلاثة عن الآخر.
وفي العراق أسهمت العصبية القبلية الموروثة والأنانيات الحزبية الممتزجة بالمكابرة والعناد في أضعاف الدولة واهتزاز العدالة الاجتماعية وغياب العمران مما ينذر باضمحلال وانحلال الدولة تدريجيا لتحل محلها دويلات وكانتونات يعززها القانون الانتخابي الجديد، فلا يجد المواطن في غياب المواطنة بداً الا بالتمسك بالعشيرة او الحزب او المليشيا او الاستقواء بالخارج.
ما يهدد الدولة العراقية والسلم الأهلي الاحتكام الى منطق القوة وليس قوة المنطق ويسعف هذا التوجه انتشار السلاح السائب بلا ضبط او انضباط الامر الذي يوجه مسارات العراق الى أفغنة حتمية او لبننة اكيدة في ظل بعض الزعامات التي لا تنظر الى العراق الا بعيون غيرها.
الضخ الدولي والإقليمي في الصراع السياسي الراهن في العراق عقد الحلول وعمق الأزمة باعتبار ان التوجه الدولي والإقليمي لا يأخذ مصالح العراق في سياق اعتباراته وتوجهاته بل مصالحه بالدرجة الاولى ولا يهم هذين التوجهين اصلاح وبناء العراق بقدر مصالحهما.
والمفارقة ان من يتهم ابناء العراق الثائرين على الظلم والفساد بالعمالة او التناغم والتخادم مع الخارج هم انفسهم يندفعون باجندة خارجية ويعززون وجودهم ووجود النفوذ الخارجي في العراق بل يبرران النفوذ الاقليمي بلحاظ اوهام الدفع الخارجي باتجاه الحراك الشعبي كما يتوهمون.