*د.السيد محمد علي الحسيني 

أولت الأديان الإبراهيمية اليهودية والمسيحية والإسلام أهمية إعتبارية خاصة وفريدة من نوعها لمنزلة ومکانة المرأة الصالحة التي رفعت من شأن وقدر واعتبار المرأة وتتجلى الأهمية الکبرى لهذه المکانة والمنزلة أنها جاءت في وقت کان المجتمع ينظر فيه نظرة غير سليمة للمرأة إلى الدرجة التي وصفها القرآن الکريم” وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون.”.
بل وكانت المرأة تباع وتشترى في الأسواق، وتنتقل في الإرث مثلها مثل الأشياء.

إلى أن جاءت الأديان الإبراهيمية لترفع الظلامة عن المرأة خاصة أنها ستهيء لتكون أما تربي الأجيال، فكان الخطاب الإلهي عبر النصوص المقدسة مشمولا على أوامر مباشرة إلى ضرورة بر الوالدين بدء بالأم حيث جاء في سفر الخروج 20: 12″ أكرم أَباكَ وَأُمكَ لكيْ تطولَ أَيامكَ على الأَرْضِ التي يعطيكَ الرَّبُّ إِلهكَ”
وفي تيطس 4:2 يستخدم الكلمة اليونانية “فيليوتيكونس” وتعني “محبة الأم.

اما الإسلام مسك ختام الأديان السماوية، فقد رفع من قدر وشأن المرأة و رفض المس بکرامتها وإعتبارها الإنساني، فإنه أولى أهمية خاصة لمکانتها کأم صالحة حيث حدد بأن رضاها عن أولادها من بعد رضا الله تعالى، وکما جاء في الآية الکريمة:” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”، وإن لهذا الاقتران والترادف المعنى العميق الذي يدرکه ويعيه کل ابن أو بنت بارة بالأم، وإننا وعند التدبر فيما قاله الرسول الاکرم”ص” :”الجنة تحت اقدام الأمهات”، أو عندما قال لسائله: من أبر؟ فقال (ص): “أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك”، فإن إستشفاف وإستخلاص الاهمية التي منحها سيدنا محمد”ص” للأم نجده مجسدا في القرآن الکريم حيث يقول عزوجل:” ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير.”.

الدور التربوي والأخلاقي والاحساسي والنفسي العميق الذي تٶديه الام حيال أطفالها وماتبذله من جهد وتعب وتضحية وإيثار يندر أن نجد له مثيل على وجه الإطلاق، يفرض نفسه بقوة في أعماق وجدان وضمير کل إنسان بحيث إن ماتقوم به الام ينعکس ويتجسد ويتبلور في التکوين الاخلاقي والنفسي والاعتباري لشخصية کل إنسان وعلى الرغم من أهمية ومکانة الام لدى مختلف شعوب وأمم العالم، لکن أهميته الاعتبارية لدى أتباع الديانات السماوية النابع أساسا من الأهمية التي أولاتها هذه الأديان لها، يعتبر مميزا و ذو سمات خاصة ولهذا فإننا نجد أن تعلق المؤمنون بأمهاتهم وبرهم لهن يفوق نظائرهم في الخلق من شتى الشعوب والأمم.

الشاعر أحمد شوقي إلتفت إلى أهمية و مکانة الام وترجم ذلك في بيت شعري معبر جدا و الذي قال فيه”الأم مدرسة إذا أعددتها…أعددت شعبا طيب اﻷعراق”، حيث إشترط الشاعر قضية ضرورة الإعداد لها والتي تنبع بالاساس من ماأکدته الأديان الإبراهيمية بشأنها، حيث إن الام فيما لو تسنى أن يجتمع العطف والحنان و الأمومة لديها إلى جانب العلم والمعرفة، فإنها تغدو بحق مدرسة لبناء وإعداد الشعوب.

کما إن نابليون بونابرت أيضا له قول بليغ ومأثور بشأن الام قال فيه “الأم التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بشمالها”، وخلاصة القول، إن مکانة ومنزلة الام في الأديان السماوية تجسد حقيقة الدور الهام و الاستثنائي الذي تضطلع به حيال أسرتها و مجتمعها وأمتها.

*أمين عام المجلس الاسلامي العربي في لبنان.