د. ماجد مرهج الملحاني
أستاذ ورئيس قسم في جامعة واسط
هنالك امرأة من أحد المحافظات العراقية أنجبت مولوداً مزدوجاً؛ بمعنى أن المولود كان له رأسان وأربعة أذرع
وصدران وبطن واحدة ورجلان ؛ أي أنه كان ملتصقا حتى الوسط ثم ينفرد إلى القدمين وكان المولود أنثى فأطلقت الأم العراقية على المولودتين أسمين جميلين الأولى (زهراء) والثانية (عبير ) وقد رسخت هذه الأم فيهما عنصرين في جوهر واحد فكل منهما مسكونة في الأخرى دائما ولا فكاك لها من شريكتها مهما كانت نتائج الجدل بينهما ؛ وحين بلغت الابنتان سن الخامسة عشر شغل قلب كل منهما فتى عاشق هامت به كلتاهما لكن المشكلة انفجرت حين اكتشف الفتى أنه يحب عبير فحسب وأنها وحدها من طار لبه عشقاً وشوقا لها دون الأخرى ذات يوم كتب هذا الفتى العاشق رسالة عشق أثارت غيرة شقيقتها زهراء فأجابت عبير بنعم وأجابت زهراء ب كلا ومن هنا بدأت الأزمة واشتغل فتيل الحرب بين الشقيقتين جراء إضرام نار العشق فقد وجدت زهراء أنها ستكون شاهدا متحدا وممارسا وخاضعا لدرجة مشاهدة سلوك الأزواج خلف الأبواب المغلقة ؛العلاقة الحميمية والمشاعر الزوجية آلتي تحدث بين أي زوجين لأختها عبير التي هام بها عاشقها وتزوجها بعد قصة حب مجنونة ليكمل بقية حياته مع من أحب وأختار لتصبح زهراء شقيقة الزوجة عبير غير قادرة على تحديد حدود العلاقة وأبعادها وأنها لا تمتلك حق القبول والرفض في ممارسات حق الزوجية بل أنها تعيش واقعاً حتميا (الامتزاج الجسدي) في وقت أن زهراء تعتبر عبير عدوا لها لأنها سرقت حبيبها ولم تسمح لها حتى مشاطرة العشق لهذا الفتى الوسيم بل أنها اوصدت عليها كل طريق للوصول إلى مبتغاها لأنها خطفت الفتى وخطفت قلب شقيقتها معه وبالتالي ستكون حاملة لثمرة علاقة اختها عبير بزوجها ولزاماً عليها أن تكون تابعة لعبير رغماً عن أنفها ولا تستطيع تحريك ساكن إزاء هذا الواقع المفزع ما دفع زهراء إلى ممارسة حقها في الشجب والرفض إلا أن الأم هنا تدخلت واعترفت أنها زوجت عبير لمن تحب رغم الرفض والامتعاض الشديدين من قبل زهراء الغاضبة الوجلة ؛ ما تسبب بفتح الباب على مصراعيه للتصادم دون الإفصاح عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى نشوب هذا التصادم الحاد وتصاعد ألسنة اللهب والحقد من قلب زهراء الموجوع ما أوصد كل باب للتفاهم والحوار لمعرفة الأسباب الحقيقية للصراع والتصادم بين الشقيقتين الملتصقتين في جسد واحد أ هي تجاوز على حقوق كل طرف؟ أم تنافس؟ أم صراع؟ أم تكامل واتحاد؟
تصر زهراء على رفضها لهذه العلاقة والانسجام بين الفتى وعبير وتلجأ إلى المرجع الديني ورأي الفقهاء وأصحاب الحل والعقد لوضع نقاط الأزمة الناشبة على حروفها والحيلولة دون حصول زواج بين هذين القلبين العاشقين ما أفضى إلى عدم حصول الزواج ولكن الطرفان اقتنعا أن لا طائل من الصدام ولا يمكن أن تستمر حياتهم على هذا النحو الصراعي ووصلا إلى حقيقة مفادها أن لا حل سوى بالتكامل بين الطرفين (اندماج الجسدين ماديا ومعنوياً وفكرياً) واتفقا على أن يتزوج الفتى التوأمين زهراء وعبير كحل واقعي ناجع لاستمرار دوران عجلة الحياة وتحقيق مكاسب للطرفين بدلا من الصراع والتشظي وأن يكون لهم مصيرا ووجودا واحدا مهما كان الخلاف .
أن مثل هذه القصة المفترضة فيها من الدروس والعبر التي تخص وتماثل "الجسد الاجتماعي العراقي" كما ونوعا ووجود ومآل وأن مصير العراقيين جميعا لا يقبل القسمة أو الانشطار أو الهيمنة وتفرد طرف على حساب الآخر لن يكون في صالح الجميع لأننا العراقيين كمن يبحر في عرض البحر على سطح سفينة واحد وأي شرخ أو عطب يحصل لها سيغرق الجميع ولات حين مندم لسبب بسيط أن هذه القوى الشعبية تتلازم بمسؤولياتها وفق معايير حاكمة أهمها أن الجسد الاجتماعي(أبناء الوطن الواحد) هو الكل لا يملكه أحد وحده فذلك شرط وجوده وسنده ومرجعتيه وهو الفاعل المحوري ونقطة الانطلاق في تماسك المجتمع ؛ نقيض ذلك أن الطائفية والعرقية إذا أريد منها تجزئة الجسد الواحد ستكون مرض مهول يحطم كل عمل إصلاحي وطني يقوم به المجتمع العراقي جاهدا متحدياً كل المصاعب التي حلت بالعراق مستلهما قوته من البارئ (عز وجل) ومن الترسبات الوطنية في أعماقه التي تركتها له أسرته العراقية الأصيلة على مر العصور .
علينا نحن المثقفين أن نساند كل وطني ونمد له يد العون في هذه الظروف الحالكة لإيجاد علاقة ثقافية واجتماعية مباشرة بين أبناء الوطن الواحد لنسد الفجوة التي ظهرت بين عوام الناس وهي ليست فاجعة مرضية دينية اجتماعية سياسية ثقافية فحسب بل مقبرة مهولة لجميع اجتهادات العلماء والمثقفين وكل الوطنيين ومدفن لجميع أماني الجماهير المحتاجة إلى سد هذه الفجوة.. قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (وما خلقكم ولا
بعثكم إلا كنفس واحدة).. سورة لقمان
0 تعليقات
إرسال تعليق