محمد كريم الخاقاني
اكاديمي وباحث في الشأن السياسي

يشهد العراق حراكاً خارجياً مستمراً منذ تولي السيد مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية في آيار ٢٠٢٠ على أثر الإحتجاجات الشعبية التي إندلعت في تشرين الأول ٢٠١٩ مطالبة بإستقالة حكومة عادل عبد المهدي بسبب تردي الخدمات المقدمة للمواطنين.
ولإن العراق محور التفاعلات الإقليمية الجارية حالياً وسط تصاعد حدة الأزمات في المنطقة وما يحيط بها من اخطار لقوى إقليمية استغلت تلك الظروف لفرض هيمنتها على دول المنطقة، وبعد تكليف السيد الكاظمي بتشكيل الحكومة العراقية، أبتدأ العمل بصياغة رؤية جديدة للسياسة الخارجية العراقية تستند الى رفض العراق للدخول في محاور على حساب أخرى، والنأي عن الصراعات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والإسهام بشكل فاعل في تسوية النزاعات وبما ينسجم مع تلك الرؤية العراقية.
فبعد زيارة وصفت بالناجحة من قبل المختصين للسيد الكاظمي الى الولايات المتحدة الأمريكية وتعكس إهتمام الإدارة الأمريكية بالعراق وأهميته في المنطقة، والتباحث في الملفات السياسية والإقتصادية والأمنية وذلك عبر توقيع إتفاقيات بين الجانبين تعزز من الشراكة الإستراتيجية بين البلدين وبالخصوص في القضايا الإقتصادية والتجارية والطاقة والكهرباء، إذ تم الإتفاق بينهما في جانب تعزيز الأمن على موضوع إنسحاب المستشارين الامريكان من العراق خلال مدة ثلاثة سنوات من الآن في إعادة لإنتشار القوات الامريكية خارج الحدود العراقية والتأكيد على إحترام السيادة العراقية ، فضلاً عن التركيز على الجوانب الإقتصادية والإستثمارية عبر تشجيع دخول الشركات الأمريكية للسوق العراقية والعمل على تحفيز تلك الشركات على المساهمة في رفع كفاءة الإقتصاد العراقي ونمو القطاع الخاص في العراق عبر توفير المتطلبات اللازمة ، من خلال توقيع عقود إستثمارية تصل الى ٨ مليار دولار مع كبريات الشركات الأمريكية المتخصصة بالطاقة مثل شيفرون وجنرال الكتريك وغيرها، ومحاولات تعزيز العلاقات العراقية الأمريكية في ظل التطورات الإقليمية في المنطقة وذلك عبر دعم التوجهات الامريكية للدول الإقليمية بضرورة الإنفتاح على العراق وإحداث التوازن المطلوب في العلاقات لصالحها وهذا يعكس توجه عراقي جديد لتطوير علاقاته العربية وبالخصوص علاقاته مع دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والكويت ولاسيما إستثمار الدعم الامريكي للعراق فيما يتعلق بتوفير الطاقة الكهربائية وربط العراق بدول الخليج العربي بدلاً من الإعتماد على توفيرها من الجانب الإيراني وبالتالي تقليل الإعتماد عليها في هذا المجال.
وكل هذه التحركات تصب في صالح العراق ويتجلى ذلك بشكل واضح مع الدعوة لإنعقاد قمة ثلاثية في العاصمة الأردنية عمّان تضم فضلاً عن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، كل من الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية والرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، وتعد تلك القمة العربية المصغرة بين الدول الثلاث هي الثالثة في إطار الحوار العراقي المصري الأردني، إذ تم عقد القمة الأولى في القاهرة في ٣٤ آذار ٢٠١٩، والثانية عُقدت على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في ايلول ٢٠١٩.
ان الملفات المعروضة للنقاش في هذه القمة تدور في إطار إقتصادي فضلاً عن اهميتها السياسية، فسيتم عرض نقل العراقي الى ميناء العقبة في توسيع لمديات تشغيل النفط العراقي وفتح منافذ جديدة في المستقبل تحسباً لأي طارى بخصوص عملية نقل النفط عبر المنافذ التقليدية سواء عن طريق تركيا وغيرها وبالتالي ستعزز من موقف العراق وإمكانية تصدير النفط للاسواق العالمية بمنافذ اخرى وتعطيه حرية اكبر في زيادة إنتاجه، فضلاً عن جوانب القمة السياسية والحديث يدور حول رؤية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بتشكيل مشرق جديد وفقاً للنمط الاوربي وذلك بتحقيق التكامل الإقتصادي بين تلك البلدان وبما يعود بالنفع عليها.
كل تلك التطورات تحدث بالتزامن مع دعوة إيرانية لمباحثات مع العراق والتوصل الى إتفاق إستراتيجي معه، فالعراق له مكانة خاصة لدى إيران حسب تصريحالمتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية سعد خطيب زادة بهذا الخصوص، على امل التوصل لإتفاق بين البلدين قريبا لاسيما بعد مناقشة ذلك الأمر خلال زيارة جواد ظريف للعاصمة بغداد في زيارته الاخيرة لها. وكان السيد الكاظمي قد طلب من إيران في زيارته الأولى بعد تشكيل الحكومة العراقية بإن يكون التعامل مع العراق من خلال البوابة الرسمية وهي الحكومة العراقية.
وتعكس الرغبة العراقية في بناء محور بديل في المنطقة بدعم أمني وإقتصادي وسياسي متوازن مع دول المملكلة الاردنية الهاشمية ومصر كمرحلة اولى بمشروع متكامل طرحه الكاظمي اثناء زيارته لواشنطن عُرفت بمبادرة (المشرق الجديد) تضم تلك الدول في إطار سياسي وامني وإقتصادي يعزز من إحتمالية فرض تصورات جديدة للمنطقة وهو ما سينعكس على العراق وتلك الدول.