سامي ندا جاسم الدوري
مال كثير من شعرائنا الى الرمزية في شعرهم هي لا تظهر للمجتمع الفكرة مباشرة وإنما تخاطبها من وراء ستار والالتجاء إليها بأساليب مختارة وبسبل طريفة جانبية وهنا يكمن سر من أسرار الإبداع الفني والابتكار الادبي وهو أن تلك الأساليب والسبل هي من اختراع الشاعر تتصل بخياله وإحساسه وثقافته كما تتصل بطبيعة الموضوع ونوعيته, وتظهر الرمزية في الشعر العربي الصوفي بشكل خاص وما يترتب على مسألة التأويل التي فرضت على الشعراء الرمز تجنباً لما يتعرضون له في حال الكتابة الصريحة والمباشرة وهناك فرق بين الإشارة والرمز, فالرمز يمثل تصورا في حين الإشارة تدل على أمر مفرد أو شيء معين فالرمز أسلوب من أساليب التعبير لا يقابل المعنى ولا الحقيقة وجهاً لوجه يقول الشاعر الصوفي ابن عربي أن الرمز والألغاز ليست مرادة لنفسها وإنما مرادة لما رمزت إليه ولما أُلغز فيها. فالتعبير فيها ليس مباشرا والألفاظ تكاد تكون مستعملة في غالب الأحيان في غير ما وضعت له. وتعد التورية البلاغية ضرباً من ضروب الرمزية، على إنّ عدم مواجهة الحقيقة مباشرة والقصد إليها بطريقة مستعارة متعرجة والتلويح بها يرجع إلى أسباب عديدة أهمها: تطور الأدب وانتقاله من الاتباعية إلى أدب الشكل البراق وهو سبب داخلي اجتماعي ناتج عن تقدم الحضارة والرغبة في الزينة والزخرفة. فالصوفي يبحث وينقب عن السر أو سر السر ويود لو ينتهي إلى الذات فللصوفية طريقان واضحان هما طريقتا الرمز والتجريد الصرف اللذان هما في الحقيقة وجهان لقضية قديمة اشتهرت في علم الكلام وهما قضية التشبيه وقضية التنزيه، وخير من عبر عن سر الصوفية وارتباطها بالرمزية التي تجسد صرخة الشاعر صرخة ينزع بها منزعاً حسياً شديداً بما اعتدناه من شؤون الحب الإنساني حتى لنكاد نتيه وينتابنا الضلال في هذه الألفاظ نلاحظ ذلك في مناجاة ابن الفارض:
ته دلالا فأنــت أهـلا لذاكا * وتحكم فالحسن قد أعطاك
ولك الأمر فاقض ما أنت قاضٍ* فعلي الجمـال قد ولاّكا
ومن أسباب الرمزية أيضا الحفاظ على أواصر المجتمع وتجنب الإفصاح عما يخالف المألوف فيلجأ الشاعر إلى التعبير الرمزي عن مكنوناته.
ولقد تميز الشعر العربي العذري بكتمان الحب وعدم البوح بالأسرار أو الإفصاح عنه تجنباً للأقاويل وإشفاقا للحبيب من الوشاة وصوناً لكرامة المحب يقول الشاعر كثير عزة على طريقة العذريين:
وقد زعمت إني تغيرت بعدها * ومـن ذا يا عـز لا يتغير ?
تغيـر حالي والخليقـة مثلما * علمت ولم يخبر بسرك مخبرُ
وللشعراء أسماء تخف على ألسنتهم وتحلو على أفواههم (ليلى عفراء زينب رباب هند سلمى) ولقد استمال الصوفيون الرمز فكانوا يؤثرون الإشارة وعدم البوح حقناً لدمائهم ولان الإشارة تطلق الفكرة وتحررها على إن العبارة تقيدها وتحدها. فالشعر العربي المعتمد على الرمزية التي اعتمدت على الخيال فالخيال ملكة الرمز وعالم الرمز واسع فهو عالم الإنسان، وعالم الطبيعة وعالم الفكر, ويتصل بشتى مجالات الحياة الفكرية والاجتماعية والطبيعية والدينية فالرمز قائم في كل مكان من الكون من الذرة المتناهية في الصغر إلى عالم المجرات والنجوم والشموس وكل منها يحمل سراً خاصاً وسر الأسرار هو الانسان.
0 تعليقات
إرسال تعليق