د. مهند مجيد برع العبيدي
في ظل الهجمة غير المسبوقة على كل ثوابت الأمة العربية وما يمت لتراثها وتاريخها وحضارتها، هناك هجمة شرسة غير مسبوقة تتعرض لها اللغة العربية لغة التنزيل الكريم، ولا شك أن العرب مقصرون أشد التقصير تجاه لغتهم ولكن قبل الحديث عن هذه التقصير وسبل النهوض بهذه اللغة الكريمة وسبل الحفاظ عليها والدفاع عنها لا بُدَّ من التعريف بالأمن اللغوي وهو: استقرار اللغة على نحوٍ صحيح سليم بعيدة عن كل ما يُهدِّدها، ويعبَث بها، ويَهبط بمُستواها، ويكون ذلك باتِّباع وسائل وقائية جادَّة تضمَن لها حياتها وبقاءها ونقاءها.
ولتحقيق ذلك أرى ما يأتي:
أن يفعل قانون سلامة اللغة العربية ولعل العراق من أوائل الدول العربية التي اهتمت بتشريع قوانين تكفل سلامة اللغة العربية ولا بد من تشكيل هيئات "للرقابة اللغوية" في الوزارات والمؤسسات كافة تتكوَّن مِن لجان متعدِّدة يقوم عليها علماء وخبراء مشهود لهم بالقدرة اللغوية، وتكون مهمة هذه الهيئات: المراجعة النهائية للصحُف والمجلات قبيل طبعها؛ وذلك من الناحية اللغوية والقواعدية، بحيث لا تُطبع الصحيفة إلاَّ إذا أجيزت من (المصحح اللغوي)، وتمتدُّ هذه الرقابة إلى المواد الإذاعية والتلفازية كافة لا سيما وأن عدداً كبيراً من الجهلة والأميين تسللوا في ليلة وضحاها إلى وسائل الإعلام وهم لا يملكون أدنى الشروط التي ينبغي توافرها فيهم وتقف المقدرة اللغوية على رأس هرم المفقودات لدى هؤلاء .
وعلى وسائل الإعلام كافة أن تأخذ دورها في إشاعة اللغة العربية بين الناس وذلك من خلال استعمال اللغة العربية الفصحى فيما تنشره في وسائلها الإعلامية المقروءة والمسموعة والمكتوبة والمرئية والابتعاد الكلي عن استعمال اللهجات العامية، ولا بد من إحياء البرامج التي حببت العربية إلى الأجيال السابقة مثل برنامج: (افتح يا سمسم) و (مدينة القواعد) و (أحلى الكلام) وغيرها وإنتاج برامج جديدة على خطى تلك البرامج.
ولا بد من إيلاء تعليم تلاوة القرآن الكريم وحفظه ما يستحق من أهمية كبرى بزيادة عدد السور المطلوبة للحفظ والتلاوة وزيادة عدد مراكز الحفظ والتلاوة التركيز على المناطق الريفية والمناطق النائية لأنها محرومة من هكذا مراكز.
الاهتمام بفن الخط العربي والتأكيد على أهمية تدريسه في المراحل الدراسية كافة وأن يتولى ذلك خريجون متخصصون بالخط العربي والزخرفة الإسلامية
الاهتمام بفن الخطابة وإعادة الاعتبار إلى هذه الفن المهم في المدارس والجامعات والتأكيد على أن يكون الخطباء على المنابر كافة من الذين يحسنون العربية ويتفننون في استعمال أساليبها وينغي على إدارة الوقفين مراقبة الخطباء من الناحية اللغوية بل وتشديد الرقابة عليهم ، ولا بد أن تراعي دوائر الدولة كافة قواعد اللغة العربية في كتبها ومراسلاتها الرسمية إذ إن الناظر فيها يجد أخطاءً شنيعة في الإملاء والنحو والصرف أيضاً ولا بأس من توظيف متخصصين باللغة العربية في دوائر الدولة كافة مهمتهم تقويم لغة المراسلات الرسمية والتأكد من سلامتها لغوياً ، ولا بد أن تأخذ الدوائر البلدية دورها في الدفاع عن العربية من خلال فرض غرامات على أية شركة أو محل أو حانوت يحمل اسماً غير عربي وإلزام هؤلاء جميعاً بأن يسموا محلاتهم بأسماء عربية وأن يبتعدوا عن الأسماء الأعجمية والدخيلة وذلك تطبيقاً لقانون سلامة اللغة العربية النافذ في العراق .
إن الحفاظ على اللغة العربية مسؤولية الجميع ولا بد أن تتضافر جهودنا جميعاً لتحقيق هذا الهدف الكبير وعلينا تربية الأجيال الجديدة على حب العربية والدفاع عنها بكل الوسائل المتاحة لأن العدوان على اللغة العربية في معناها ومبناها وقواعدها يعدُّ عدوانًا على دين الأمة المسلمة؛ فكتابها القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، والعدوان اللغوي يبعد الأمة تدريجيًّا عن هذا البيان، وهو عدوان كذلك على تراثنا العربي الذي يُمثِّل ثروة تاريخيَّة ضخمة، فتُباعِدنا عن لغتنا السليمة بارتِكاب الأخطاء، يحقِّق تباعدنا عن هذا التراث التاريخي العظيم، وقد يتحوَّل إلى انفصام بيننا وبين ماضينا العظيم بكل ما ضم مِن ذخائر، وكل ما جمع مِن أمجاد، والله ولي التوفيق.
0 تعليقات
إرسال تعليق