د. سامي الزيدي



قد يقف الكثير متحيرا وهو يطالع النص القرآني في الآيات (65 – 82 ) من سورة الكهف وهي الآيات الخاصة بلقاء موسى (ع) بالخضر ( العبد الصالح ) . اذ ان الافعال التي قام بها الخضر وهو يرافق موسى لا يمكن للعقل ان يحكم بصحتها اذ اخذناها على ظاهرها، ولعل هذا ما جعل موسى يُشّكل على الخضر في كل ما فعله ، على الرغم من اشتراط الخضر عدم الاعتراض من قبل موسى ، فكان لا يستطيع ان يصبر على ما كان يقوم به الخضر من افعال تعد عقلا ومنطقا غير صالحة ، فكيف وقد وصف الرجل بالصلاح ؟
فلو طالعنا الآيات لو جدنا ان ظاهرها غريب ولو كنا مكان موسى لفعلنا ما فعل من الاعتراض وأطلقنا الاحكام التي اطلقها ، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان موسى كان نبيا مرسلا ولم يستطع مع الخضر صبرا . 
ان النظر الى الآيات منفصلة كل على حده لعله يجعلنا في تساؤلات واشكالات يعجز العقل عن فهمها وحل الغازها ، وكل ما اجيب عنها انها من علم الغيب الذي اوحى الله به الى الخضر ، وهذا لا يشبع فضولنا المعرفي . 
فلو نظرنا بأحد تلك الافعال الثلاث التي قام بها العبد الصالح ، انه قتل غلام خوفا على والديه من ان ( يرهقهما طغيانا وكفرا ) ، وفي هذا الفعل امرين : اما ان يكون من الله وهذا ما صرح به الخضر ، او يكون من الخضر نفسه . فاذا كان الفعل من الخضر بأمر الله فهو لا يتفق مع السنن الالهية التي قررها الله لخلقه ، فلا عقوبة دون جناية ، ثم ان ما ورد في الاثر دل على ان من هم بالسيئة ولم يعملها لا تكتب عليه ، وهذا الغلام لم يكن بعد قد بلغ التفكير بالسيئة ، فكيف يأمر الله بقتله ، وهي ليست من سننه ، فأن كانت تلك سنن الله في عباده ، لكان قتل كل جبار عنيد وكافر مريد ، ونحن نعيش اليوم في ظل جبابرة ومستبدين وطغاة ولم نرَ ان السماء سارعت بقتلهم وهم اطفال صغار لتخلصنا من شرهم وجورهم واستبدادهم ونحن امم ولسنا فردين اثنين فقط .
واذا كان الفعل صادر من الخضر فليس من حق الخضر اصدار اوامر مثل هذه لا سيما قتل انسان دون جناية اوقصاص .
ولعل الامر ابعد غورا من ذلك ، سيما وان العقل يتعامل مع خبراته ومعارفه وما هو منظور في حواسه ، فلعل الآيات التي وردت في السورة انما هي من باب العبرة وليست من باب الوقوع الحتمي ، اذ اننا لا يمكن لنا ان نفصل بين القصة ونجعلها ثلاث قصص ، انما اريد لها ان تكون واحدة لتؤدي غرضا واحدا ، ولعل ورودها بهذه الضخامة ليكون الغرض المؤدى منها واضحا ومركزا في الذهن البشري ، وان لا تمر مرور الكرام على عقولنا لذا اختير لها هذا المعنى والدلالة والسياق .
ونحن نعتقد ان النص الذي وردت فيه هذه القصة لو نظرنا اليها من باب الفحص الظاهري والتعامل مع سياقها ، قد لا نصل الى الغاية التي سيق من اجلها ، اذ ان هناك معنى ودلالة تختفي وراء النص لا تعالج بظاهره . فلو نظرنا الى النص لو جدنا ان الاشتراط الذي وضعه الخضر لموسى هو الصبر على ما سوف يرى منه من امور تحتاج الى التأني وعدم التسرع في اطلاق الاحكام ، ومع الوعد الذي اطلقه موسى الى الخضر الا ان موسى لم يستطع صبرا ، وكان يعترض على كل فعل يقوم به الخضر ، حتى انتهت المهلة التي منحت لموسى في المرافقة ، ليبدأ الخضر في توضيح الحقيقة الغاطسة لذلك الفعل والتي تعامل معها موسى على وفق محسوساته وخبراته التراكمية ، فكانت احكامه على ضوء حقيقة تكونت لديه على وفق تلك الخبرات وهي ليست الحقيقة ذاتها التي تختفي دائما وتنتظر ان نبحث عنها بتأني وصبر ، وكأن القصة ارادت ان ترمز لحقيقة مهمة ، وهي ان الاحكام التي نطلقها انما هي احكام جزافية على وفق ثقافتنا وخبراتنا السابقة ، وهي ليست من الحقيقة بشيء فقد نظلم ونفتري ، ونكّذب الاخرين ، ونعتقد اننا على صواب ، او اننا نمسك بالحقيقة الا انها ليست هي الحقيقة ، فالحقيقة تظلل باستمرار ويعتم عليها لأنها قد تكون خارج ادراكنا .
فلعل  المراد من القصة دعوتنا الى التكامل من خلال الفحص والتحري عن الحقيقة وتأجيل اطلاق الاحكام ، وان نقبل بعضنا البعض لكون الجزء الغاطس من الحقيقة لا نراه وقد يكون عند الاخر الذي يقف امامنا ونحكم على ان فعله خارج الصواب ، او نكفره ونقصيه ، لان عقولنا قاصرة عن الالمام بالحقيقة والتي عجز نبي من الانبياء ان يكتشفها فكانت احكامه ليست من جنس الحقيقة .