الدكتورعمرعلي موفق مولود
عضو اللجنة القانونية للمنتدى العراقي للنخب والكفاءات


يعتبر مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من القواعد القانونية الآمرة لذا فالأصل هو عدم مشروعية التدخل ولكن لكل قاعدة استثناء، وهنا نشير لحالات اكتساب التدخل صفة المشروعية.

وتتمثل الحالة الأولى بأنها حالة التدخل من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين طبقاً للفصل السابع من الميثاق، فيمكن هنا الإشارة إلى ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، الذي نص على "في سبيل الغايات التي نسعى إليها في هذا الميثاق فإننا نأخذ أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار، وأن توّحد قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدوليين".

ويمكن الإشارة إلى المواد التي تطرقت إلى السلم والأمن الدوليين، وهي المادة م1/1، والمادة 2/3، والمادة 2/6 من الميثاق, لذا فإن حدوث اي انتهاك للسلم والأمن الدوليين يؤدي إلى أن يصبح التدخل الدولي متمثلاً بمنظمة الأمم المتحدة مشروعاً، على سبيل الاستثناء من قاعدة تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهذا ما جاء في المادة 2 فقرة 7 من الميثاق، التي لم تسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي للدولة، وكذلك لم تجز المادة المذكورة للأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل، لأن تحل بالميثاق، وشرط أن لا يخل هذا المبدأ بالتدابير الواردة في الفصل السابع من الميثاق. .

وفي المادة المذكورة أعلاه ضمانة تشريعية، ولكن في الواقع يحدث تدخل بعض الدول الكبرى بشكل متكرر، وهنا لا بد من أن تقوم المنظمة بجهود لمنع هذا النوع من التدخلات.

أما الحالة الثانية فهي حالة التدخل من أجل حماية حقوق الإنسان، وذلك في حال حدوث انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان على اعتبار أن أي انتهاك جسيم لهذه الحقوق هو انتهاك للمعاهدات، وبالتالي تقوم منظمة الأمم المتحدة بالإجراءات اللازمة لوقف تلك الانتهاكات وتتمثل بقيام (لجنة حقوق الإنسان سابقا) مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بالتحقيق مع الدول وعندما تصل الانتهاكات إلى حد كبير تعين الأمم المتحدة مقرراً خاصاً لتلك الدول وإذا فشلت تلك الجهود تقوم الأمم المتحدة بالتدخل لوقف هذه الانتهاكات.

وهنا يمكن توجيه النقد لأداء الامم المتحدة والمعيار الواقعي المتبع للتدخل لمنع الانتهاكات الانسانية، فالأمر يتعلق بأرواح البشر، فنجد في بعض الدول بلوغ عدد الضحايا مئات الآلاف من البشر، ولم يُفعل هذا النوع من التدخل!

وتعد ديباجة اتفاقية منظمة الأمم المتحدة والمادة الأولى في الفقرة الثالثة منها أساس قانوني لإمكانية تدخل الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان، حيث أن من أهداف المنظمة هو تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية، وكذلك تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس.

وفي الواقع العملي فأن تدخل الأمم المتحدة من أجل تحقيق الحماية الإنسانية قد مر بمراحل، فالمرحلة الأولى التي تمتد من 1945 حتى 1990 كانت المنظمة تتمسك بضرورة موافقة الدول المعنية، حتى يمكنها المشاركة بعمليات إنسانية في حال قيام صراع مسلح غير دولي, إلا أنه في مرحلة ما بعد عام 1990 شهد العالم خلال المدة ما بين 1989 وحتى، 1992 ما يقارب 83 نزاعاً مسلحاً كان من بينها 79 نزاعاً مسلحاً داخلياً, وكان من ضمن قرارات الأمم المتحدة بهدف حماية حقوق الانسان هو قرار مجلس الامن رقم 688 لسنة 1991، الذي يتعلق بالخلاف ما بين الحكومة المركزية في العراق وبين مناطق شمال العراق ، حتى عُدّ هذا القرار هو جلب لقواعد جديدة في أحكام القانون الدولي الإنساني, وكذلك تدخل مجلس الأمن في النزاع المسلح في الصومال بالقرارين 794 لسنة 1991 و814 لسنة 1993.

والحالة الثالثة هي حالة التدخل تنفيذاً لرغبات مقدمة من حكومة الدولة القائمة،

ويحصل هذا النوع في حالة وجود أخطار داخلية كأن تكون اضطرابات داخلية أو حروباً داخلية

أو خارجية، فتطلب الدولة المساعدة من حلفائها، لمسك زمام الأمور.

ومن الأمثلة على هذا النوع من التدخلات هو تدخل حلف وارسو في تشيكوسلوفاكيا في عام 1968م إذ عُد هذا الحلف (وارسو) وتدخله بأنه جاء بناء على طلب من الحكومة التشيكوسلوفاكية، على الرغم من أن البعض يشكك بوجود طلب رسمي من الحكومة ذاتها.

وهنالك الحالة الرابعة من التدخل المشروع وهي حالة التدخل بناء على وجود معاهدة، إذ يرى جانب من الفقه أنه في هذه الحالة يكون التدخل مشروعاً إذا ما قدمت عليه الدولة بناء على حق صريح يخولها ذلك، ولهذا النوع تأييد ضمنه القضاء الدولي.

وأما الحالة الخامسة من التدخل وهي حالة التدخل ضد التدخل، ويمكن تصور هذا التدخل بأن تتدخل دولة (أ) في شؤون دولة (ب) وتأتي دولة (ج) وتتدخل في شؤون دولة (ب)، لتمنع دولة (أ) من التدخل وهنا فرق البعض من الفقهاء بين حالتين، فالحالة الأولى هي حالة أن

كان التدخل لدولة (أ) في شؤون الدولة (ب) مشروعاً في الاصل، فهنا لا يجوز التدخل ضد هذا التدخل من الدولة (ج).

والحالة الثانية أن كان تدخل الدولة (أ) في شؤون الدولة (ب) غير مشروع في الأصل، فهنا يجوز تدخل الدولة (ج). وهنا الامثلة كثيرة في الواقع العملي.

لذلك نجد أن التدخلات في الشؤون الداخلية للدول سمة واضحة في أطار العلاقات الدولية، والتي قد تكون مشروعة في بعض الحالات، وغير مشروعة في حالات اخرى، مما يستلزم تفعيل دور الامم المتحدة في تناولها للقضايا المتعلقة بالدول التي تشهد نزاعات سواء كانت هذه النزاعات مسلحة ام غير مسلحة وذلك باتخاذ اجراءات سريعة وحاسمة للفصل في اي تدخل، ومنها ان يكون للقضاء الدولي دور في ذلك.