الاستاذ الدكتور صباح ياسين 
عضو الأمانة العامة للمنتدى العراقي للنخب والكفاءات


لابد لنا بادئ ذي بدء من معايير مرجعية تشكل الدلالة في قياس التوجه ا لمركزي الذي تنشط عبره هذه المؤسسة الشعبية الوطنية التي حدد عنوانها في معنى النخب والكفاءات العراقية ، ولابد من تأطير أنشطتها في المجالات التي تصب في المصلحة الوطنية العامة ، فهي ليست تجمعا نخبويا بمعنى التخصص والانغلاق ، وإنما تتسع للمعنى الايجابي للنخبة الواعية المدركة للمسؤولية الوطنية والشأن العام ، كما ان الكفاءات التي تمثلها لا تنحصر في الكيانات النقابية المهنية التي تؤطر أهدافها في حماية الخصوصية المهنية او الدفاع عن قيمها وتقاليدها ، بل هي ثمرة حضارية لمسيرة التقدم والارتقاء العلمي والتجربة الميدانية لكل اختصاصات العلم والمعرفة الميدانية في مسيرة العراق الحديثة .

وهذه المقدمة التي تناولت تحديد المعنى العام لدلالة النخب والكفاءات في إطار التجمع التنظيمي الفاعل ، منتدى النخب والكفاءات ، تقرأ بشكل مواز مع الهدف الثاني الذي جاء في النظام الاساسي للمنتدى .. ( تنظيم المؤتمرات وورش العمل وإجراء الدراسات التي تهدف لتشخيص المشكلات الراهنة في العراق واقتراح الحلول لها ) . وهذا الهدف وان كان يترجم الهدف الاول من حيث الغاية والاسلوب ، الا انه يضع البرنامج العملي للارتقاء بالأداء المنظم باتجاه حشد الطاقات بممارسات فعالة من حيث المستوى والأسلوب لمواجهة المشكلات التي تواجه مسيرة تحديث العراق وتقدمه .

فكما تشرق الشمس على التأريخ كما يقول هيغل ، فان النخب والكفاءات العراقية التي واجهت وضعا استثنائيا بعد كارثة الاحتلال وتدمير بنى الدولة الوطنية ،تواجه اليوم وبأيمان بدورها التاريخي هذه المهمة بكل اصطفاف ووعي واقتدار . وهم ( النخب والكفاءات ) هم الشمس الدائمة الشروق والتجلي في إنارة طريق النهوض والتقدم الحضاري بحكم موقع الوعي والدور . والمحافظة على توهج تلك الشمس يتجلى في اجتماع الحزمة الفاعلة من النخب والكفاءات العراقية في مقابل حالة التداعي والتدهور ، عبر صيغ تنظيمية – حضارية  فاعلة مثل ما ورد في الاهداف ، بتنظيم المؤتمرات وورش العمل لتشخيص المشكلات ودراستها واقتراح الحلول والإجابات الفاعلة لها ، وهذه الصيغة العملية تتحقق باجتماع تلك النخب على الطاولة مباشرة من اجل تبادل الخبرات ومناقشة والمقترحات ووضع برامج الاصلاح والبناء .

وعمليا ومنذ تأسيس المنتدى في عام 2014 ، فان كل لجانه التخصصية أنجزت بفاعلية تنظيمية راقية ونجاح منهجي وعلمي عقد المؤتمرات التي جمعت خبرات وكفاءات العراق المتواجدة داخل وخارج العراق على منصة واحدة ، وتصدت بعلمية ومسؤولية للمشكلات القائمة ، وخرجت بقرارات وتوصيات عملية وشاملة ، لتمثل حلولا جذرية للمشكلات القائمة في العراق اليوم ، وتصدت بشجاعة ، بحكم ما تحمله من خبرة ميدانية متراكمة لكل المعضلات والمشاكل المتراكمة ،وشكلت إجابة حضارية لدورها الخلاق على صعيد الدفاع عن الوطن في محنته ، والعمل على رسم خارطة الطريق لإعادة تعميره وبناءه .

وتشكل الدراسات والبحوث التي قدمت في المؤتمرات التخصصية وورش العمل ذخيرة لكل البناة والمجددين في ميادين العمل المختلفة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية في العراق ، وتلك الدراسات والبحوث لم تذهب الى مجرد ( إطفاء الحراق ) للمشكلات الراهنة التي شهدها العراق منذ الاحتلال لغاية اليوم ، بل وضعت البرامج المستقبلية لإنجاز برنامج شامل لإعمار كل مناحي الحياة في العراق ، والانسان في المقدمة من ذلك.

ويكفي ان نستشهد ان المنتدى العراقي للنخب والكفاءات أول من اعلن حالة الطوارئ في موضوعة المخاطر التي تواجه سد الموصل والاوضاع التي تهدد وجوده واثار ذلك على البيئة والمدن التي تقع بعد السد في مجرى نهر دجلة ، وعقد سلسلة من الندوات وورش العمل مع المؤسسات الاكاديمية المعنية بموضوع بناء السدود وحمايتها ، ومع الشركة العالمية التي نفذت سد الموصل ، والجهات العلمية – الهندسية التي وضعت مخططات بناء السد ، وكانت الحملة الاعلامية والعلمية التي قادها المنتدى عبر اللجنة المتخصصة فيه ( لجنة الزراعة والري ) جرس انذار شديد التأثير للعديد من الجهات الدولية والمحلية لمعالجة وضع السد عمليا ، وإبعاد المخاطر التي تهدده . وهذا النموذج من العمل العلمي والميداني يترجم بأفضل صوره معنى المنتدى ، ومعنى الاتجاه نحو تعميق الدراسات والبحوث المتصلة بالمشكلات التي تواجه الوطن في الوقت الراهن ومستقبلا .

إن هذه الفعاليات العلمية التخصصية التي تنهض بها لجان المنتدى التخصصية في مواجهة حالة التردي والتداعي في اوضاع العراق ، بالإضافة المشكلات الاجتماعية وفي المقدمة منها مسألة الفساد المالي وغيرها  ، تضع في الواقع تلك النخب والكفاءات أمام المسؤولية التاريخية والاخلاقية للتصدي للواقع وإيجاد الحلول للمشكلات القائمة ، وهو تماما يجسد الدور الفاعل للأمانة الوطنية التي حملتها نخب وكفاءات العراق على طوال تأريخ العراق الحديث . وهي مهمة تجد ، وتحت سقف الصيغة التنظيمية الفاعلة للمنتدى ، المجال الحيوي العام للتفاعل وتنافذ الخبرات والتجارب الوطنية في الوقت الراهن .

ودون شك فان هذه الفعاليات الفكرية والعلمية التي تجمع النخب والكفاءات العراقية على منصة التغيير الخلاق لاستعادة بناء العراق وضمان تطوره الحضاري ، إنما تشكل معيارا وطنيا لا خلاف على مقدماته ، وهو نمط من التنشئة الوطنية – الاجتماعية التي يجب ان تترسخ لدى هذا الجيل ويحملها للجيل القادم بأمانة . ووفق هذا المفهوم فان العمل على عقد الندوات والمؤتمرات وورش العمل هو الوسيلة الفاعلة ليس في تبادل الخبرات والتجارب حسب ، بل من أجل نقل وتمرير حصيلة ذلك الى الجيل القادم ، وبذلك تتحول تلك الفعاليات الى نمط من التنشئة الوطنية المرفقة بالتجربة والخبرة لضمان استمرار تدفق دماء التغيير الواعدة في بناء العراق وتطوره الحضاري .

وأخيرا انه معنى التطور بذاته ، حينما تتماسك أيادي الاجيال بعضها ببعض لضمان انتقال الحياة في إطار المسؤولية التاريخية أزاء قضية الوطن وبناءه وتقدمة ، وهي غاية سامية وأخلاقية قبل كل شيء