لبنى الحرباوي


أصبح التدخين شيئا فشيئا مشعلا للحرية بالنسبة للنساء، فإشعال النساء سيجارة عربيا لا يزال دليلا على التحرر والتوق إلى المساواة.
أنفاس أنثوية
حدثتني صديقتي قالت: إن هناك في مدينة عربية، لا داعي لذكر اسمها، يعتبر تدخين المرأة من “أكبر الكبائر”، هو العيب بأم عينه وأبيه وعائلته كلها.
صاغ السادة المواطنون، هناك، من الأمر نكتة باتت متداولة بكثرة، مفادها أن “امرأة خانت زوجها فلما فاحت الفضيحة المجلجلة التي لا يعلو عليها شيء في بلدان عربية ‘محافظة’ انتظر الجميع رد فعل الرجل المطعون لكنه قال لزوجته الخائنة “ما ناقص إلا تدخني!”.
دهشت لوهلة ثم أغرقت في الضحك.. هناك في منطقة عربية تغيّر مفهوم الشرف.. انسحبت تلك الأشياء التي لا يتحدّث عنها أحد إلى مرتبة ثانية وبات عدم التدخين “مصدر الشرف المصان”.
اقترحتُ على صديقتي أن يتغير البيت الشعري المتوحش المنسوب للمتنبي “لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. حتى يراق على جوانبه الدم!”، والذي حوّل إلى مثل شعبي عربي، فكثيرون يستندون إليه لإراقة الدماء حلاً لمشاكل الحياة، طبعا إذا افترضنا أن من سيريق الدماء هم من أصحاب الشرف الرفيع أصلا الذي لم يحدد له مقياسا بعد يتماشى مع العصر!
لكن ماذا عن مقولة “لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى تدعس على جوانبه علب السجائر مهما كانت رفيعة أو خفيفة” أو “تكسر على جوانبه النارجيلة خاصة إن كانت بمعسل بنكهات متعددة!”.
قد لا يظهر أن الرجال في هذه المنطقة العربية لا يريدون للنساء التدخين خوفا على صحتهن أو جمالهن، بل قد يكون ذلك اعتراضا من الرجال على منافسة النساء لهم في منتجهم الذكوري المفضل “السجائر”.
لطالما استهدفت شركات السجائر الرجال في الترويج لمنتجها لسنوات منذ بداية القرن الماضي، على أساس أن تدخين السجائر يضفي المزيد من الرجولة على المدخنين.
رغبت هذه الشركات في توسعة القاعدة الجماهيرية لديها، فكان القرار بإقحام النساء في دائرة التدخين.
كان الأمر حينها ثورة اجتماعية، إذ كان التدخين من قبل النساء مرفوضًا قبل الحرب العالمية الثانية.
وحتى لا تخسر شركات التبغ جمهورها الأصلي، قررت الفصل بين الجنسين في التدخين، لتبدأ الشركات في إنتاج “سجائر رفيعة خفيفة” في عبوات أنيقة صغيرة.
أصبح التدخين شيئا فشيئا مشعلا للحرية بالنسبة للنساء، فإشعال النساء سيجارة عربيا لا يزال دليلا على التحرر والتوق إلى المساواة، لهذا يعارض الرجال في هذه البقعة من الأرض تدخين النساء.
ومهما يكن دخّنتن أم لم تدخنّ، كنّ مقتنعات فقط بما تفعلن