سارة السهيل


قدم التعليم الرقمي حلولا مهمة للعديد من مشكلات العملية التعليمية، وأبدع مبتكرو التعليم عن بعد عبر شاشات الكمبيوتر والتابلت ابتكارات تعليمية ساهمت في حل صعوبات التعلم، وزودت الطلاب بمهارات مهمة ودقيقة في البحث، واكتشاف المعلومة ومقارنتها بغيرها بما يساعد على النقد والتحليل.
وجاءت أزمة وباء كورونا ليصبح التعلم الالكتروني ملاذا وحيدا لإتمام العام الدراسي في ظل عزلة عن العالم الا من خلال شاشات التابلت والكمبيوتر وغيرها من وسائط التكنولوجيا الرقمية، في مقابل الاستغناء نهائيا عن الورقة والقلم والطباشير والسبورة (اللوح) والالواح البيضاء والكتاب الورقي في العملية التعليمية.
في المقابل، فقد الطلاب عنصرا من أهم عناصر العملية التعليمية، وهي التفاعل الانساني بين الطلاب والمعلم، وبدا الطلاب وكأنهم عبر عملية التعلم الرقمي يتلقون علومهم عبر انسان آلي يفتقر للمشاعر والاحاسيس القلبية والروحية التي تزرع قيم العلم وتكرسه في منبت التربة الانسانية.
في هذا السياق، استوقفني تقريراً في جريدة «نيويورك تايمز» الأميركية يشير إلى أن كبار صنّاع التكنولوجيا في العالم يحرصون على تدريس أبنائهم بمدرسة خاصة تمنع كل أشكال التكنولوجيا.
حيث أن مديرين في «جوجل» و«أبل» و«أج بي» و«اي باي» يسجّلون أبناءهم من الحضانة إلى الثانوية بمدارس «فالدورف» الألمانية، التي تمنع منعاً قاطعاً استخدام التلاميذ الشاشات أو التابلت أو الكمبيوترات؛ وتحرم على الطلبة استخدام الآلات الحاسبة، رافعة شعار: التكنولوجيا يمكنها أن تنتظر.
تستخدم هذه المدارس أدوات التعليم التقليدية كالسبورة والطباشير، والطين الموجودة في حديقة المدرسة، وترى ان القلم والورقة وإبر الخياطة وأدوات الحياكة والطين هي وسائل التعليم الأمثل، فهي تعلّم اللغات عبر الكتابة أو الأنشطة المدرسية الممتعة؛ فيطلب المعلم من الطلبة تشكيل الحروف بأجسادهم أو رسمها بالهواء، ويتعلم طلبة الصف الخامس الابتدائي الحياكة ويحاولون إنتاج جوارب صوفية كوسيلة على فهم النماذج والرياضيات والهندسة وحل المشاكل ذاتياً.
وتتولى هذه المدرسة الالمانية تدريس الرياضيات بطرق تراها مبتكرة بعيدا عن التلقين، فجدول الضرب والقسمة والكسور المقرر على الصف الثالث يتعلمه الطلاب باستخدام المسامير أو الفاكهة، كذلك الكسور والقسمة يتم تدريسها للتلاميذ من خلال قوالب الكعك أو الحلويات، فيطلب من الطالب استخراج «واحد فاصلة ستة بالعشرة» من الكعكة التي أمامه ليأكلها.
وعلى الرغم من عدم اعتماد المدرسة على التكنولوجيا، كما يشير التقرير، فإنها حققت نتائج متقدمة؛ بالتحاق 94 % من خريجيها بالجامعات في الفترة الواقعة ما بين عام 1994 إلى 2000م.
هذه المدرسة حققت نجاحات تعليمية مبهرة حتى صار لها في غضون العشرين عاما الماضية ألف فرع منتشر في العالم منه فرع وحيد بالعالم العربي موجود بالقاهرة، علما بأن تكلفة التعليم بهذه المدارس باهظة وتبلغ 18 الف دولار لمرحلة رياض الاطفال.
.....

خطورة الموقف

بموجب هذا التقرير، فان التعليم الرقمي يدمر التعليم نفسه ويخلق اجيالا
لا تتلقى تعليما تربويا ونفسيا صحيا، وهو ما أدركه صناع التكنولوجيا من   خطورة التابلت والكمبيوتر على الأطفال فدفعوا آلاف الدولارات وأبعدوا أولادهم عنها.
في حين ان التعليم في بلادنا العربية قديما كان يعتمد على هذا النهج الالماني الحديث في التعلم، حيث يتعلم الاطفال عدد الارقام ومضاعفتها بحبات الفول وما شابه.
مما يؤكد ذلك ما لاحظه المعلمون بمدرسة هيرمان لايمباك الابتدائية في مدينة ساكرامنتو بولاية كاليفورنيا، ان التلاميذ حاليا يجدون صعوبة كبيرة في قراءة نص معقد أو طويل دون فواصل مستمرة. أما في الماضي فكان الطلاب أكثر اعتيادا على متابعة النص لأمد أطول.
وأكد باحثون بأنحاء مختلفة من العالم على خطورة الهواتف الذكية ومتابعة الوسائط المتعددة على التركيز، ومنهم جيم تايلور، مؤلف كتاب "تنشئة جيل التكنولوجيا"، قائلا إن هناك "كما متناميا من الأدلة الواضحة - على أن التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي والوصول الفوري للإنترنت والهواتف الذكية تضر بقدرة الأطفال على التركيز. إننا نحدث تغييرا جذريا على الطريقة التي يفكر بها الأطفال وطريقة نمو مخهم".
.......
وأكثر خاسر في عملية التعليم عّن بعد هم الاطفال دون سن الست سنوات وبالأخص اطفال الروضة لأنهم يحتاجون وبشدة للتدريب والتعليم المباشر خاصة انهم مازالوا في بدء المشوار كما ان التعليم عّن بعد يفقدهم متعة بناء العلاقات والصداقات والتجارب الانسانية والتعرف على الحياة بخوض تجاوب تناسب عمرهم وليس من خلف الشاشات
.....
كما ان القضية الاكثر اهمية من وجهة نظري هي كيفية اتمام عملية التعليم عّن بعد في الكثير من البلدان العربية التي تعاني الفقر والعوز والجهل بالتكنولوجيا كما ان هناك مناطق نائية في البادية والريف لم يصلها الانترنت ناهيك عّن ثمن الكمبيوتر او التابلت او الايباد او الهاتف وهي الادوات المستخدمة في هذه المنظومة فكيف لطفل ليس لديه ثمن قسط المدرسة او حتى كتاب وربما رغيف خبز ان يشتري هذه الاجهزة الباهظة الثمن ويشترك في باقات الانترنت! هذا لو افترضنا ان الانترنت قد تم ايصاله لهذه المناطق.
اعتقد ان توزيع الاجهزة على الاطفال الاقل حظا امر واجب في حال فرض عملية التعليم عّن بعد حتى يكون العدل والانصاف للجميع فالوطن ليس فقط المدارس الخاصة والاجنبية والاحياء الراقية الوطن هو البادية والريف والقرى والاحياء الشعبية فهم الذين يشكلون الاغلبية التي يجب النظر الى حالها
...

القديم يكسب

أشارت العديد من الدراسات إلى أن الفصل الدراسي بشكله التقليدي قد يؤدي إلى نتائج أفضل، ومنها دراسة أجرتها كلية لندن للاقتصاد عام 2015 كشفت فيها عن أن درجات اختبار الثانوية البريطانية قد تحسنت حين منعت مدارس ببرمنغهام ولندن وليستر ومانشستر استخدام الهواتف في الفصول الدراسية.
ويستشهد ويليام كليم، أستاذ علم الأعصاب ومؤلف كتاب "دورة مهارات التعلم"، بدراسة أجريت عام 2014 ووجدت أن الطلاب الذين دونوا الملاحظات تدوينا يدويا كاملا كانوا أفضل من الذين استخدموا الكمبيوتر المحمول في استذكار للمعلومات.
وتخلص معظم الدراسات التي أجريت في هذا الشأن الى ان استخدام التقنيات بالمدارس لا يمكن ان يكون بديلا عن التعليم المباشر بواسطة المعلم لما يوفره من تفاعل مباشر مع الطلبة والتلاميذ.
وكشفت بعض استطلاعات رأي المعلمين والخبراء في التأثير السلبي للتعلم الرقمي في عدد من الآثار السلبية منها استخدام الحواسيب بدلا من الكتب والأوراق في التعلم ادى الى تدني مستوى الكتابة والأسلوب لدى الطلبة.
كما يؤدي فقدان العامل الإنسانيّ في العمليّة التعليميّة، وغياب الحوار والنقاش الفعّال، وصار العديد من الطلاب غير قادرين على التعبير عن أفكارهم كتابيّاً، ويحتاجون إلى التواصل الشفهيّ المباشر للتعبير عما يعتقدونَه.
وقد يتسبب إستخدام الحواسيب في حصول الطلاب معلومات مضللة حيث أن كثير من المواقع الإلكترونية تقدم معلومات خاطئة.
بموجب هذه الدراسات والنتائج والمقارنات بين التعلم الرقمي ونظيره التقليدي، فإنني أري ضرورة العودة الى التعلم التقليدي لأنه أكثر ارتباطا بالواقع والطبيعة وأكثر حفاظا على توازن الانسان العقلي والنفسي، مع امكانية استخدام الحواسيب والتابلت في تعلم بعض العلوم الضرورية التي تتطلب ذلك، وهوما يعني ضرورة المزج بين طرق التعليم التقليدي والرقمي وهوما ينصح به حتى رعاة التعليم الرقمي

.....
كما ان القضية الاكثر اهمية من وجهة نظري هي كيفية اتمام عملية التعليم عّن بعد في الكثير من البلدان العربية التي تعاني الفقر والعوز والجهل بالتكنولوجيا كما ان هناك مناطق نائية في البادية والريف لم يصلها الانترنت ناهيك عّن ثمن الكمبيوتر او التابلت او الايباد او الهاتف وهي الادوات المستخدمة في هذه المنظومة فكيف لطفل ليس لديه ثمن قسط المدرسة او حتى كتاب وربما رغيف خبز ان يشتري هذه الاجهزة الباهظة الثمن ويشترك في باقات الانترنت! هذا لو افترضنا ان الانترنت قد تم ايصاله لهذه المناطق.
اعتقد ان توزيع الاجهزة على الاطفال الاقل حظا امر واجب في حال فرض عملية التعليم عّن بعد حتى يكون العدل والانصاف للجميع فالوطن ليس فقط المدارس الخاصة والاجنبية والاحياء الراقية الوطن هو البادية والريف والقرى والاحياء الشعبية فهم الذين يشكلون الاغلبية التي يجب النظر الى حالها


 وأدرك تماما ان بسبب جائحة كورونا كان التعليم عّن بعد طوال المدة السابقة وربما يمتد لفترة اخرى ولكن اتمنى ان لا تطول.