بغداد – د.بلال الخليفة
التجمعات (الكارتلات) لأي نشاط هو اجراء طبيعي لحفظ مصالح أعضاء ذلك التجمع، فبعد انشاء كارتل الدول المصدرة للنط (منظمة أوبك) في سبتمبر 1960، بغداد للدول المصدرة للنفط كان انجاز لتلك الدول وكان للعراق خصوصية في ان الاجتماع الأول هو في بغداد وكان لذلك التجمع إنجازات كبيرة واهمها هو التخلص من عقود ظالمة كانت الدول المنتجة تعاني منه الا وهي عقود الامتياز المجحفة.
وفي حزيران عام 2018، أعلن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أن منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" دعت روسيا للانضمام إلى المنظمة بصفة مراقب، للعلم ان روسيا غنية بالوقود الأحفوري (الغاز، والبترول، والفحم)؛ حيث تملك أكبر احتياطي للغاز 19.8 % في العالم، وثاني أكبر احتياطي للفحم 15.2 % في العالم، وسادس أكبر احتياطي للبترول 6.1 % في العالم. كذلك روسيا ثالث أكبر الدول المنتجة للبترول، حيث بلغ إنتاجها 11.438 مليون برميل في اليوم للعام 2018، بعد المملكة التي بلغ إنتاجها 12.287 مليون برميل، وأميركا التي بلغ إنتاجها 15.311 مليون برميل، كذلك روسيا ثاني أكبر دولة -بعد المملكة -مُصدرة للبترول، كما ان روسيا أيضاً أكبر دولة مُصدرة للغاز، فهي تصدر 26.3 %.
بعد ذلك كان لقرارات المنظمة التأثير الكبير في الحفاظ على أسعار مرضية للدول المنتجة وهذا ما كان واضحا في انهيار أسعار النفط أيام جائحة كورونا وحيث ان قرارها بتخفيض أكثر من سبعه مليون برميل يوميا من النفط الخام خلال شهري فبراير ومارس 2021 وفي وقتها ان العربية السعودية خفضت مليون اخر وخارج التزامها وبشكل طوعي وهي الخطوة التي وصفها نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، بأنها "هدية العام الجديد".
ان لمنظمة أوبك بلس اهمية كبيرة ومنها:
1 – مواجهة احتكار الدول المستهلكة للنفط بواسطة شركاتها النفطية مثل احتكار الشركات السبعة المسميات بالشقيقات السبع فيما سبق.
2 – تقدم دراسات بالسوق والوضع العالمي وكذلك إمكانيات وخصوصيات الدول الأعضاء وبالتالي اتخاذ القرارات بما يتلاءم مع الجميع.
3 – المحافظة على مستوى من الأسعار الذي يتلاءم مع سعر السلع المصنعة وتكون ملائمة للدول المنتجة وغير ظالمة للدول المستهلكة.
4 – تقدم النصح في استخدام العوائد المالية الفائضة في التنمية الاقتصادية لدول الأعضاء.
5 – تنظيم عملية الإنتاج بين الدول الأعضاء بدون تنافس غير شريف وبالتالي تجنب الاضطراب بسوق النفط.
6 – ان المنظمة تكون درع يقي للأعضاء من سيطرة او القرارات التي تكون غير ملائمة لدول الأعضاء وعلى سبيل المثال مقترح قانون (نوبك NOPED) الذي ارادت أمريكا تشريعه وهو يسمح لأمريكا بمعاقبة الدول المنتجة للنفط أي انه مشروع يهدف إلى إزالة حصانة الدول المُصدّرة للنفط أوبك.
7 – تهدف المنظمة من تمكين دول الأعضاء بالسيطرة على ثروتها النفطية من احتكارات الشركات النفطية ومثال ذلك دورها المهم في تأميم النفط لدول الأعضاء.
8 – توحيد المواقف في أمور تخص الإنتاج والتسويق، حيث كانت روسيا لا تلتزم بتوصيات التخفيض ومن اجل تحسين أوضاع سوق النفط ولكن ذلك تغير بعد الإعلان عن انضمام روسيا للمنظمة وانبثاق منظمة أوبك بلس.
وبالتالي ان ان وجود هذه المنظمة مهم جدا حتى ان أمريكا توجست خيفة منها ولذلك اقترح ثعلب السياسة الامريكية هنري كيسنجر في شهر كانون الأول (ديسمبر) 1973 على دولته والدول الصناعية، المستهلكة الرئيسية للنفط، تأسيس منظمة تتولى التخطيط لشؤون الطاقة تتصدى لمنظمة الدول المصدرة للنفط التي رأى أن أظافرها بدأت تبرز وأخذت تسيطر على السوق الدولية للنفط، ومن هنا يجب تقليم تلك الأظافر، فتم عقد اجتماع واشنطن الشهير في شباط (فبراير) عام 1974 الذي ضم الدول الأوروبية واليابان ولم يهدأ لكيسنجر بال حتى تم تأسيس المنظمة الدولية للطاقة IEA في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1974 للحد من هيمنة «اوبك»، وحددت برنامجاً واضحاً أطلقت عليه برنامج الطاقة الدولية International Energy Program، وخلاصة ذلك هو الانقضاض على اوبك وإضعافها بل وتدميرها إن أمكن ولم تكن تلك الاهداف سرية بل كانت معلنة للملأ.
الضغوط التي تمارسها الدول الكبرى على منظمة أوبك
بعد تأسيس منظمة أوبك وبعد ان اخذت دور فاعل في أسواق النفط العالمية حيث كانت تنتج في ذلك الوقت حوالي 26 من البترول العالمي وارتفع حتى وصل الان الى حدود 48 % عام 2010 و51 عام 2020 بعد ان كان كل الإنتاج هو بسيطرة الدول الكبرى عن طريق شركاتها النفطية فهي ترى انها منظمة تنتمي لدول العالم الثالث المتخلفة وكذلك تعتبرها منظمة تم انشائها في ظل الحرب الباردة وبالتالي يجب ان يحجم دورها او تحل بالأساس.
ان الضغوط بالدرجة الأولى تمارس ضد المملكة العربية السعودية باعتبارها أكبر أعضاء منظمة أوبك من ناحية الإنتاج ومن ناحية الاحتياط، حيث برز دور السعودية وبشكل جلي بعد الثورة الإسلامية في إيران وبدا حرب الخليج الأولى، وذلك لانحسار دور دولتين مهمتين وهما الجمهورية الإسلامية في إيران والعراق، فإيران تعرضت لحصار وبالتالي اصبت الريادة في المنظمة للملكة العر بية السعودية.
المنظمة كان لها الدور المهم في توازن الأسعار فهي قد رفعت الإنتاج في عام 1980 – 1982 وحيث باعت السعودية النفط بأسعار اقل من خام الإشارة برنت مع رفع مستوياتها من الإنتاج النفطي، لكن في عام 1983 تدهورت أسعار النفط عالميا فأخذت السعودية المبادرة وخفضت السعودية انتاجها من 10 مليون برميل يوميا الى 2 مليون يوميا للتصدير،
من أساليب الدول العظمى لخفض أسعار النفط هي:
1 – عن طريق منظمة الطاقة الدولية، وهي تكون بإخراج تقارير شهرية وسنوية واسبوعية توضح في تقاريرها ان خفض وقعها للنمو او خفض توقعها للطلب على الإنتاج، هذا يكفي كي يؤثر على سعر برميل النفط وبالتالي ينخفض.
2 – تقارير منظمة الطاقة الدولية حول الخزين الإستراتيجي فان كان التقرير يوضح ان الخزين بلغ كميات كبيرة فان ذلك سيجعل أسعار النفط تتهاوى والعكس صحيح.
3 – سحب النفط الخام من الخزين الاستراتيجي كما فعل قبل أيام بايدن حينما امر بسحب 15 مليون برميل نفط إضافي من الاحتياطي الإستراتيجي، لضخها في السوق الأميركية بهدف خفض أسعار المحروقات.
4 – التدخل السياسي المباشر بأصحاب القرار في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك بلس، وهذا الامر كان فاعلا جدا لكن في الآونة الأخيرة لم يكن ذو تأثير كما كان في السابق وخير مثال على ذلك ان المنتج الأكبر للنفط في أوبك وهي العربية السعودية رفضت طلب الولايات المتحدة الامريكية ومن رئيسها بايدن بزيادة انتاج النفط لخفض أسعار النفط عالميا، وكذلك طلب الرئيس الفرنسي أيضا من العربية السعودية لزيادة الإنتاج لكن رغم هذه الضغوط المعلنة وغيرها من الضغوط الخفية لكن السعودية ودول أوبك بلس لم تنثني لتلك الضغوط السياسية ومضت بقرارها الجريء بتخفيض انتاج المنظمة بمقدار مليوني برميل من النفط ابتداءا من شهر نوفمبر القادم.
ان قرار منظمة أوبك كان بتأثير دولتين هما السعودية وروسيا لكن التهجم الغربي كان موجه ضد السعودية فقط، حيث أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن في حوار مع شبكة "سي إن إن" الثلاثاء أنه "ستكون هناك عواقب" على السعودية بسبب قرارها في إطار تحالف "أوبك+" النفطي الأسبوع الماضي خفض حصص الإنتاج.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية الامريكي بلينكن بعد ساعات من تقديم ثلاثة أعضاء في مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يقضي بإزالة الأصول العسكرية الأمريكية المهمة المتمركزة في السعودية والإمارات على خلفية دعمهما قرار "أوبك+". قال زعيم الأغلبية بمجلس النواب الأمريكي، تشاك شومر، إنه ردا على السعودية وقرار "أوبك+" بتقليص إنتاجها اليومي من النفط، يتم البحث في جميع الأدوات التشريعية بما في ذلك مشروع قانون "نوبيك".
تحليل الردود العنيفة ضد أوبك والسعودية
استعرضنا كيف كانت ردود الأفعال كبيرة وغاضبة جدا ضد منظمة أوبك بلس والسعودية واعتقد ان السبب هو وجود الحرب بين روسيا وأوكرانيا وان الروس يستخدمون ورقة النفط والغاز كعامل رئيسي في حربها للضغط على اوروبا التي يتم تجهيزها بالغاز عبر انابيب والذي يكون سعر المتر المكعب بحدود 6 دولار بينما يكون بديل الغاز الروسي اما الغاز القطري المسال او الأمريكي المسال (LNG) والذي يكون بحدود 27 دولار للمتر المكعب (هذه أسعار قبل شهر) أي ان سعر بديل الغاز الروسي هو اربع اضعاف، وهذا شكل ضغطا كبيرا على اقتصادات دول الاتحاد الأوربي.
بالرجوع الى أسعار النفط الان التي هي بحدود 90 دولار وأسعار النفط في عام 2012 عندما وصل سعر برميل النفط أيضا فوق 100 دولار أيضا لكن لم نشهد هذه الحملة الإعلامية ضد أوبك مثل الان، اعتقد ان السبب هو ليس بسبب النقص بالإمداد العالمي للنفط او نقص بالنفط المعروض، بل ان السبب هو ان بديل النفط والغاز الروسي بالنسبة لأوروبا مكلف، هذا هو السبب فقط، ومنظمة أوبك والسعودية تحملت اللوم بدل ذلك.
تأثير القرار على العراق
قبل أيام أصدرت وزارة المالية حسابات حول إيرادات العراق للأشهر الماضية واحتلت الإيرادات النفطية لعد\ة أشهر 96 % من حجم الإيرادات العامة وان إيرادات فقط شهر أيلول سبتمبر الماضي بلغ مجموع كمية الصادرات من النفط الخام بلغ (98) مليونا (765) الفا و(153) برميلاً، بإيرادات بلغت (8.773) مليار دولار، حيث ان معدل الكميات اليومية بلغ (3) مليون و(292) ألف برميل في اليوم»، مؤكداً ان «معدل سعر البرميل الواحد بلغ أكثر من (88.83) دولاراً.
وبالتالي ان موضوع سعر النفط يدخل في صلب حياة المواطن العراقي البسيط، لان كل الحياة معتمدة على النفط، فلا يوجد أي تنوع في مصادر الدخل للحكومة سوى النفط (وهذا ما يتم تسميته بالمرض الهولندي) نتيجة السياسات الفاشلة المعتمدة في العراق بعد عام 2003، اننا نلاحظ ان حجم التخفيض في حصة العراق هو يشكل نسبة 3%، أي انها صغيرة مقابل المنفعة، ورغم ذلك نرى ان بعض السياسيين يصرحون بان القرار سيؤثر سلبا على العوائد المالية لان العراق خفض الإنتاج، لكن العكس من ذلك تماما، حيث ان القرار سيزيد من العوائد المالية النفطية، في حال ان الإنتاج الحالي للعراق قبل قرار التخفيض هو 4.651 مليون برميل يوميا ولنفرض ان الاستهلاك المحلي هو مليون وسيكون النفط المصدر هو 3.651 مليون وان السعر السابق أي سابق لهذا القرار للمنظمة هو 83 دولار وبالتالي يصبح العائد المالي النفطي اليومي 303 مليون دولار يوميا، اما بعد التخفيض وبسعر هذا اليوم أي 6/10/2022 الذي فيه سعر خام برنت 94 دولار، وحجم النفط المصدر هو 3.431 مليون سيكون حجم العائد المالي من تصدير النفط هو 322 مليون دولار بالإضافة الى تقليل من التصدير النفط وهذا يعني زيادة في عمر المكمن النفطي ولو لشيء بسيط جدا.
وبالتالي ان قرارات منظمة أوبك كانت في صالح أعضاء المنظمة في إبقاء سعر برميل النفط في مستوى مقبول وغير مجحف للدول المستهلكة للنفط أي تنه بقي في حدود السعر العادل، وان الخروج من المنظمة لا يعد قرار صائب وان تصريح السيد رئيس الوزراء المكلف كان في باب الحرص على ادامة وزيادة الإيرادات النفطية بزيادة حصة العراق في المنظمة او اعفائه من التخفيض.
وخصوصا ان العراق يشهد ولادة قطب عالمي ثاني بزعامة الصين وروسيا وان دول المنطقة اخذت القرارات الصحيحة في مجاراة هذا التغير الاقتصادي العالمي الكبير ومن تلك الدول السعودية التي ايدت التخفيض الذ هو بصالح روسيا وانضمت للبنك الاسيوي وقدمت طلب للانضمام لمؤتمر شانغهاي وليلة امس قدمت طلب للانضمام لدول البريكي التي تضم (الصين وروسيا والبرازيل وايران وافريقيا الجنوبية) وهذا التجمع الذي قال عنه بوتين انه سيصدر عمله خاصة بالبريكس.
0 تعليقات
إرسال تعليق