عمر سعد سلمان

(الحياة صعبة) هذه حقيقة رائعة، واحدة من أروع الحقائق. وحين نعلم ان الحياة صعبة حقاً، ونتمكن من فهما وقبلها كما هي، فأنها لن تكون كذلك. فتقبل الحياة والنظر اليها نظرة تفاؤل وامل، يجعل من حقيقة انها شاقة مضنية امراً غير مهم
لا يرى معظم الناس – بصورة تامة – حقيقة ان الحياة صعبة. ومع ذلك. فهم يتذمرون دائماً، وعلى نحو أكثر او اقل ضجيجاً او هدوءاً، من فداحة مشكلاتهم، واعبائهم، والمصائب المحيطة بهم، وكأن الحياة سهلة على وجه العموم، وكأنه يجدر بها أن تكون سهلة. فهم يعبرون عن ايمانهم – بصخب او هدوء-بأن المصاعب المحيطة بهم تمثل نوعاً فريداً من البلاء لا يجدر به ان يصيبهم، وانهم، او عائلاتهم او قبليتهم او الطبقة التي ينتمون اليها، او أمتهم او عرقهم او حتى بني جنسهم، قد تعرضوا له على وجه الخصوص بطريقة ما، من دون الآخرين. وانني على علم ودراية بهذا التذمر لأنني أسهمت بحصتي في ذلك
تجسد الحياة سلسلة من المشكلات. فهل نود التذمر منها ام حلها؟ هل نود تعليم أطفالنا كيفية حلها؟

يمثل الانضباط المجموعة الأساسية للأدوات التي نحتاج اليها لحل مشكلات الحياة. ومن دون الانضباط، لا يمكننا ان نحل شيئاً
يمكننا بواسطة الانضباط، او بعضه فحسب، ان نحل بعض المشكلات. ولكننا يمكننا بالانضباط الكلي، ان نحل المشكلات جميعها. ان ما يجعل الحياة صعبة، هو ان عملية مواجهة المشكلات وحلها عملية مؤلمة. اذ تثير فينا المشكلات، استناداً الى طبيعتها او الإحباط او الحزن او الذنب او الندم او الخوف او القلق. وتمثل تلك مشاعر غير مريحة في كثير من الأحيان، وكثيراً ما تكون مؤلمة بقدر أي نوع من الألم الجسدي، لتماثل احياناً أكثر أنواع الألم الجسدي سوءاً، اما سبب تسميتها (المشكلات)، فمرده الألم الذي تولده هذه الاحداث او النزاعات في أنفسنا. ولأن الحياة تمثل سلسلة لا نهائية من المشكلات، فأنها تكون صعبة على الدوام، ومليئة بالألم، إضافة الى البهجة
ومع ذلك، تحظى الحياة بمعناها، في خضم هذه العملية الكاملة في مواجهة المشكلات وحلها. وبوجه عام، تعد المشكلات العامل الأهم الذي يفصل بين النجاح والفشل. حيث تستحضر المشكلات شجاعتنا وحكمتنا، بل في الحقيقة، تخلق شجاعتنا وحكمتنا. واليها تحديداً، يعزى الفضل في نمونا عقلياً وروحياً. فما ان نرغب في تحفيز نمو الروح الإنسانية حتى نعمد الى تحدي القدرة الإنسانية، وحفزها الى حل المشكلات، تماماً كما نفعل في المدرسة حين نتعمد وضع مسائل لأطفالنا كي يقوموا بحلها. وبذلك، فأننا نتعلم عن طريق الألم الناتج من مواجهة المشكلات وحلها. ولهذا السبب، يتعلم الناس الحكماء عدم الخوف من المشكلات، والترحيب بها حقاً وبالألم المرافق لها فعلاً
نحن لسنا في الغالب من الحكماء. لذا، يعمد جميعاً، خوفاً من الألم المتضمن، الى محاولة تجنب المشكلات بدرجات متفاوتة. فنماطل على امل زوالها، وذلك بتجاهلها او تناسيها، والتظاهر بعدم وجودها. وتناول العقاقير لتساعدنا على تجاهلها، والتمكن-عن طريق تخدير أنفسنا للتخفيف من الألم-من نسيان المشكلات التي تسبب ذلك الألم. نحاول ان نحوم حول المشكلات عوضاً عن مواجهتها بصورة مباشرة. وكذلك الخروج منها عوضاً عن المعاناة عبرها.
تشكل هذه النزعة لتجنب المشكلات، والمعاناة العاطفية المتأصلة فيها، الأساس الرئيس للأمراض النفسية البشرية جميعاً. ولأن معظم الناس لديهم هذه النزعة بدرجات متفاوتة، فانهم يعانون مرضاً نفسياً بدرجات متفاوتة ايضاً، ويفتقرون الى الصحة النفسية الكاملة. ويقطع بعضنا اشواطاً استثنائية-الى حد كبير-في سبيل تجنب مشكلاتنا والمعاناة التي تسببها، ليمضي بعيداً عن كل ما هو جيد ومعقول بوضوح، بهدف محاولة العثور على مخرج سهل، فيبني أكثر الأوهام تعقيداً كي يعيش فيها، مستثنياً الواقع-احياناً-بصورة كلية.
ولكن البديل بحد ذاته يصبح في النهاية أكثر ايلاماً من المعاناة المشروعة التي صمم لتجنبها. وبالتالي فأن هذا البديل يتم تشييد طبقه أخرى فوقه. ولحسن الحظ، يملك بعض المرضى الشجاعة لمواجهة امراضهم النفسية والبدء بتعلم كيفية اختبار المعاناة المشروعة. وفي طبيعة الحال، حين نتجنب المعاناة المشروعة التي تنتج من التعامل مع المشكلات، فأننا نتجنب ايضاً النمو الذي تتطلبه المشكلات منا. ويعزى الى هذا السبب المتعلق بالأمراض النفسية المزمنة، توقفنا عن النمو، فنعلق في امكنتنا. ومن دون العلاج، تأخذ الروح البشرية تنهار.
لذا، فلنعمل على غرس السبل الكفيلة بتعليم أبنائنا واطفالنا ضرورة المعاناة وقيمتها، والحاجة الى مواجهة المشكلات بصورة مباشرة واختبار الألم المتضمن في ذلك.