د . باهرة الشيخلي

قائد عسكري عراقي يؤلف كتاباً في الدرون التي إستهدفت قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس
عصر الطائرات المسيّرة القتالية يدخل بقوة في صراعات الشرق الأوسط – 
لعل الحدث الأبرز في الشرق الأوسط، الذي لعبت فيه الطائرات المسيرة دوراً فعالاً ومؤثراً، هو الهجوم الجوي، الذي شنته إيران بها إلى جانب صواريخ الكروز على المواقع الاستراتيجية النفطية شرقي السعودية في مناطق (البقيق وخريص) في 14 سبتمبر 2019 والذي أدى الى إيقاف نصف انتاج المملكة من النفط، واستخدام الولايات المتحدة للطائرات المسيرة من طراز ( MQ-9A Reaper) في عملية مقتل قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني وابو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي قرب مطار بغداد الدولي ليلة 3 يناير2020 .

اشارة استراتيجية

عدّت هذه الهجمات الخطرة بمرتبة إشارة استراتيجية إلى أن عصر الطائرات المسيّرة القتالية قد دخل بقوة في صراعات الشرق الاوسط، وهو ما يجب أن تأخذه دول المنطقة وجيوشها بنظر الاعتبار والتحسب بجدية لمواجهة التهديدات المماثلة.
وينبه كتاب، صدر حديثاً، للفريق الركن صباح نوري العجيلي معاون رئيس أركان الجيش العراقي الأسبق عنوانه (حروب الطائرات المسيرة بدون طيار في الشرق الاوسط)، إلى أن تهديدات الطائرات المسيّرة دخلت مرحلة خطرة بعد أن تمكنت المليشيات والتنظيمات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط من الحصول عليها لتتنافس مع الجيوش وتستخدمها في التدمير والقتل وفقاً للأجندات التدميرية، وإلى أن الطائرات المسيرة الايرانية أصبحت متاحة أمام وكلاء إيران وأذرعها لتستخدمها في صراعات المنطقة في إطار الحرب بالوكالة بين إيران ووكلائها من جانب، وأمريكا وحلفائها من الجانب الآخر، في إشارة إلى استخدام الحوثيين في اليمن الطائرات المسيّرة ذات المنشأ الايراني بنحو موسع، في استهدافهم المواقع الاستراتيجية والمنشآت النفطية السعودية، وايقاعهم تضحيات وخسائر مادية فيها.
وتأتي أهمية هذا الكتاب من أنه يتناول موضوعاً بالغ الأهمية، ويغطي أدوار الطائرات المسيرة بدون طيار في صراعات المنطقة، ليشكل رافداً ومصدراً جديداً للمكتبة العسكرية العربية والعراقية، بتسليطه الضوء على سلاح استراتيجي يدخل ساحات الصراع بفعالية وبقفزات سريعة، ويواكب تطور هذا السلاح واستخداماته، حيث أن تقنية الطائرات المسيّرة بدون طيار في المرحلة الراهنة، استطاعت فرض مكانتها في منظومة تسليح الجيوش كأحد متطلبات الحروب الحديثة وأسلحتها، إذ تمكنت المسيّرات من تغيير المعادلة أمام الدول، التي تنفق الأموال الطائلة على تصنيع الطائرات الحربية المتطورة وشرائها ضمن مفهوم: (امتلاك السماء يعني النصر في الحروب).

حروب المستقبل

يمدّ العجيلي بصره إلى المستقبل في مؤلفه هذا فيشير إلى أن حروب المستقبل ستتميز باعتمادها على التكنولوجيات المتطورة، التي لم تعد ضرباً من ضروب الخيال العلمي، بل أصبحت حقائق قائمة في الكثير من جوانبها، وهذه النظرة تتفق مع ما يراه الخبراء العسكريون أن الاستراتيجيات العسكرية الحديثة، والثورة في الشؤون العسكرية RMA) ونظم القتال المستقبلية (Future Combat Systems) ستغير مفاهيم إدارة الصراع في المستقبل وستكون الحروب غير تقليدية، إذ ستؤدي بالنهاية إلى تقليل الحاجة تدريجياً إلى العنصر البشري وتقليل الخسائر البشرية والمادية، وسوف تضم أسلحة ومعدات متطورة.
يقول الكتاب إن الدور الرئيس، في سيناريو حروب المستقبل، لن يقتصر على الأسلحة القديمة كما في السابق، فمعظم الأسلحة التقليدية وتنظيمات القوات المسلحة مرشحة للاستبدال والاستغناء عنها مستقبلاً والتعويض عنها بأعداد محدودة من الجنود تكون مدربة تدريباً فائقاً، جاهزيتها عالية، ومزودة بأجيال جديدة ومتطورة من المعدات والأسلحة الفتاكة.

ذكاء صناعي

ويصف الطائرات المسيّرة بدون طيار بأنها أحد الأسلحة، التي تمتاز بالذكاء الصناعي، والتي أصبحت من أسلحة الجيوش في الحروب الحديثة، وباتت من الناحية الاستراتيجية والعسكرية سلاحاً مهماً واسع الانتشار ومتعدد المهمات، بالإضافة الى استخداماته المتعددة للأغراض المدنية السلمية.
برزت الحاجة إلى اهتمام القوات المسلحة، بكل فروعها وصنوفها، بصناعة المسيّرات وامتلاكها واستخدامها، كونها وسيلة فعالة وسلاحاً لتعزيز قدراتها الاستطلاعية في جمع المعلومات عن العدو وتحديد المناطق الرخوة ونقاط الضعف ومعالجتها، ومراقبة تحركات العدو ونشاطاته في مسرح العمليات للحصول على معلومات فورية تنقل مباشرة إلى مراكز العمليات، وكذلك توظيفها لتأمين متطلبات منظومات القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات والحرب الإلكترونية، وتصحيح نيران الصواريخ والمدفعية ومعالجة الأهداف الأرضية بالقنابل والصواريخ جو – أرض.
ويلفت الكتاب إلى أن الطائرات المسيّرة بدون طيار تتمتع بمزايا وخصائص عديدة سهلت أداءها لمهمات مختلفة الانواع، لعل أبرزها تصفير الخسائر بين صفوف الطيارين والكلفة المالية الواطئة للتصنيع والتشغيل بالمقارنة مع الطائرات الحربية على اختلاف انواعها، فضلا عن تفادي كشفها ومعالجتها بوسائل ومنظومات الدفاع الجوي المتيسرة لصغر حجومها وسهولة مناورتها وطيرانها بارتفاعات منخفضة.

ادوار مهمة

الطائرات المسيّرة تؤدي في الوقت الراهن أدواراً مهمة وملموسة في صراعات الشرق الاوسط، لاسيما وأنها تجوب الاجواء من البحر الاحمر جنوباً حتى سواحل البحر المتوسط شمالاّ، في ظل التوترات والصراعات القائمة في المنطقة، وتداعيات الازمة الامريكية – الايرانية التي ألقت بظلالها على الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي.
وتعد اسرائيل وايران من الدول المصنعة والمالكة للطائرات المسيّرة والتي تستخدمها في صراعات المنطقة، وكلاهما يشكلان تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي.

طائرات حربية

فالجيش الإسرائيلي، الذي يتسلح بأحدث الطائرات الحربية الامريكية الحديثة والأسلحة الدقيقة، تحوّل إلى أسطول للطائرات المسيّرة لضرب أهداف في سوريا والعراق ولبنان. أما إيران فقد أدركت، من جانبها، نقطة قوة خصومها بامتلاكهم الطائرات المقاتلة الحديثة، فعززت أسطولها من الطائرات المسيّرة مختلفة الأنواع والمهمات للتعويض عن الضعف في قدرتها الجوية.
لا شك في أن الثورة العلمية والتكنولوجية الحالية قد أحدثت نقلة نوعية في تطور الفكر العسكري المعاصر، إذ وضعت العديد من الدول مجموعة من البرامج والخطط بهدف إعادة تنظيم القوات المسلحة، بحيث تغدو قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية في القرن الحادي والعشرين.

تسليط الضوء

تضمن الكتاب عشرة فصول سلطت الأضواء على بدايات الطائرات المسيرة وتطورها، وعلى مهماتها وخصائصها، وتطرق إلى الطائرات المسيرة الانتحارية، والطائرات المسيرة الاسرائيلية، والطائرات المسيرة الايرانية، وكيف أصبحت المسيرات السلاح الاستراتيجي للحوثيين والتنظيمات المسلحة، ودورها في صراعات الشرق الاوسط، خاتماً بتبيان الآفاق المستقبلية للمسيرات وأساليب التصدي لها ومواجهتها.
يذكر أن المؤلف أصدر كتباً عديدة، في الآونة الأخيرة أهمها (استراتيجية التحرر الوطني)، و (سلاح الضعفاء في مواجهة الاقوياء)، و(المليشيات الايرانية عابرة الحدود.. التهديدات والمخاطر)، و(ولاية الفقيه المسلح.. استراتيجية التسليح الايراني)، ثم (وكلاء إيران.. شبكة المقاتلين الأجانب)، وهي كتب تسلط في مجملها الأضواء الكاشفة على خطر التسليح الإيراني وتبين مراميه، كون المؤلف شارك لسنوات طويلة في قتال إيران ، ودرء مخاطرها ومواجهة مخططاتها ضد المنطقة، فضلاً عن أنه يعكف على تأليف كتابين مهمين آخرين في السياق نفسه لم يشأ الاعلان عن محتوياتهما.