فائزة محمد علي فدعم


في عصر يوم من الايام زارنا بعض النساء من الاقارب . وهُنَّ والدة السيد نعمان عبدان ووالدة السيد جاسم دبدب وام السيد داود دبدب وبعد تبادل التحايا والأحاديث قالت إحداهُنَّ لوالدي : لقد نوينا الحج انا وأخواتي وليس لدينا محرم وانت دائم السفر ورجل شهم ونريد ان تذهب معنا لأنك أخانا الصغير فابتسم وقال ( ممنون ) وتعني الموافقة . وبعد استكمال الإجراءات القانونية جهزوا انفسهم ... علما ان السفر في حينها كان بحراً عن طريق البصرة - بحر العرب - مضيق باب المندب - البحر الاحمر - جدة . عن طريق خليج العقبة وميناءها كما حدثنا الوالد رحمه الله وكان طريقا شاقاً يستغرق أشهر في أكثر الأحيان . أخذ الحجاج ماخف وزنه وعلا اهميته وكان يطلق عليه (المتاع) وكان من المعتاد قبل الانطلاق هو توديع الجيران فرداً فرداً ثم يوصيهم الحاج باهله ...

وفي المنزل يقوم أهل البيت بعد مغادرته بالتحضيرات وأولها ابدال الستائر وندف الفراش وصبغ الدار والذهاب الى الشورجة لإحضار الشمعة التي يكون طولها على طول الحاج وتزينها بالورود وتسمى شمعة عسل وتوضع في دلو مملوء بالملح . والقصاب يجهز عجلا وعدة خرفان يذبحها وقت مجيئه لأن الطبخ يستمر ثلاثة ايام مع لياليها في الشارع العام ...

وبعد إكمال المناسك ووصول الأخبار بوقت عودتهم يذهب أهل بعقوبة الاصلاء والجيران والمعارف برفقة أهل البيت ومعهم خروف يذبح عند قدمه ابتهاجا بسلامة الوصول وينزل من السيارة الخشبية مرتديا عباءة جميلة وغترة بيضاء وعقال يسمى أبو القصب ويستقبل بالأحضان وهو متعب من عناء السفر وأكثر الحاضرين يأتون مع أعلام بيضاء كبيرة الحجم و(كلبدان) لرش ماء الورد والجكليت لنثره عليه ثم تبدأ الزفة من تقاطع البلدة حاليا إلى البيت سيرا على الأقدام رغم طول المسافة والوجهاء على يمين ويسار الحاج وشباب المنطقة بأيديهم الإعلام ترفرف فوق الرؤوس مع نقر الدفوف وهم يرددون ( صلوا على محمد ) حتى يصلوا الى بيته وتنطلق الزغاريد من نسوة المحلة ويهنئ بسلامة الوصول ثم يدخل للاستراحة ...

وفي اليوم التالي تصحو عائلته باكرا لاستقبال المهنئين وهم عالم الدين وامام الجامع والمختار والأقارب لمدة ثلاث ايام في الغداء والعشاء ويذهب أحد افراد العائلة الى بغداد لحجز موعد لقراءة المنقبة النبوية في اليوم الثالث من أحد القراء المفضلين وكان في وقتها السيد عبد الستار الطيار . ثم يوزع الطعام الفائض على الجيران والفقراء . وعندما كانت تقرأ المنقبة النبوية يجلس الرجال في باحة المنزل والشارع والنساء على الاسطح وبين الفينة والأخرى تطلق زغرودة وعند انتهائها يشرب الرجال الشاي ويغادر الجميع وهم يدعون للحاج ويقولون ( العودة العودة ) وحج مبرور وذنب مغفور وجعلها الله من نصيبك ... وبعد اليوم الثالث يحضر المهنئين الهدايا وهي عادة أكياس من الرز او السكر او شربت او خرفان او ( كَلَة : وهي سكر على شكل قالب مخروط مغلف بألوان زرقاء قاتمة توضع في سلة من القصب وعليها شرشف ابيض ) 

اما الهدايا التي يجلبها الحاج فكانت عقال وغترة او قطع من القماش وعباءة او كحل اثمد ومكحلة وقطعة ذهبية لأهله و(كطوع روايح) وهو عبارة عن طين مغلف بطريقة جميلة ويستعمل للأطفال حديثي الولادة فحسب اعتقاد النسوة أن هذه القطعة الصغيرة عند وضعها في الماء وسقيها للرضيع فإنه يشفى من مرضه وأيضا من الهدايا ماء زمزم وسواك ومحابس فضية وخرز كهرب وعقيق يماني وحجر وجزع وياقوت احمر واصفر وعقيق وحجر داودي .....

ومن الاعتقادات ايضا هي : أن الحجر الأبيض لدر الحليب للمرضع والحجر الأحمر لأمراض الدم والخرزة الصفراء للطفل المصاب بأبو صفار ...

وكان الجيران من اول يوم السفر حتى انتهاء المناسك هم الكل في الكل لأن الحج في تلك الأيام كان حدثا نادر ولقب ( حجي ) ليس بالقليل