ميثاق الفياض
كان معلمنا في المرحلة الاولية للدراسة الابتدائية في العاصمة بغداد يردد علينا في الصف الدراسي “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا “وكان يعيدها مرارا وتكرارا بحسرة، سأله زميل لي من تقصد بذلك القول يا استاذ؟ وما هي مناسبته وهو ليس من مناهج دراستنا؟ لكنه لم يجبنا بوضوح وكان يتهرب من تفسير المعنى واكتفى بالإجابة انه حديث لاحد الصالحين ينهى فيه عن استعباد الناس وقد وهبهم الله الحياة دون قيود للأخر.
مضت السنون وتوالت الاحداث في البلاد ولم يغب عنا حديث معلمنا حتى التقيته صدفة ذات يوم وكانت صحته ونظره لا يساعدانه على التذكر حتى ذكرته بصعوبة اني كنت من تلامذته وكنت ألح عليه مع زملائي ان يخبرنا ماذا كان يعني بتمتمته تلك و من كان يقصد؟ ابتسم وجلس قائلا يا ولدي ان زمن الظلم والجور آنذاك تحت حكم الدكتاتورية حول الانسان الحر الى عبد لا يقوى على التفكير وابداء الرأي وكان من يبدي رأيه ضاع في غياهب الجب وظلمات سجونهم، وكان يعتصرني الم ما يحدث لذلك كنت اردد هذا ولم اخبركم لأنني كنت اشبه بالعبد المملوك الخائف ايضا!
رحل معلمي ولم ترحل كلماته هذه عني في زمن الحرية والديمقراطية والثقافة والتطور التكنلوجي وبالأخص في العالم الرقمي لمنصات التواصل الاجتماعي ومواقع التراسل الفوري.
منذ دخولنا في معترك هذا التطور الرقمي بدأنا نرى ازدواجية شخصيات الافراد ونحن منهم بين العالمين الواقعي والافتراضي بل صدمنا ان البعض (وليس الكل ) من مؤسسي ومدراء الصفحات والمجموعات والقنوات في منصات التواصل ومواقع التراسل اصيبوا بداء التسلط و محاولة فرض آرائهم على الاخرين وكأنهم دمى لا تمتلك عقل وفكر وثقافة تستطيع النقاش والمحاورة وابداء الرأي وهذا ما يمكن وصفه بدكتاتورية العالم الرقمي وجمهوريات التسلط والقمع الفكري وللأسف نجد من يرضخ ويعتاد على العبودية الرقمية ويصبح عبدا للإقطاعية الرقمية ولا يتمكن حتى من ضغط زر المغادرة للمجموعة او القناة !
قد يسأل سائل ربما كانت القواعد والشروط هي من تحدد طبيعة هذا الملتقى الرقمي وهذا امر لا خلاف على مقبوليته وضرورة احترامه من جميع المشتركين والالتزام به، لكن للأسف ما نراه أمر مختلف للغاية ومحاولات للتفرد بالرأي والقرار حتى دون استشارة الاخرين والنقاش معهم.
فرض العبودية الرقمية على الانسان لا تختلف عن العبودية للإقطاعيين والدكتاتوريين والمتسلطين، ومحاولة تكميم الافواه والآراء وارباك المستخدم على ابداء رأيه وافكاره للأخرين لا يمكن وصفها الا بدكتاتورية العالم الرقمي والصمت عنها والرضى عبودية رقمية بامتياز.
0 تعليقات
إرسال تعليق