الدكتور عامر الدليمي 
عضو اللجنة القانونية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات



المقدمة

تضمن البحث إعلام انتفاضة تشرين الشبابية السلمية وتأثيره على الرأي العام ، مع مفاهيم الإعلام ودوره في التوعية الاجتماعية ونقله المعلومة والحادثة كونه يبحث عن الحقيقة وكيفية معالجته للمشاكل ، على أن يتمتع بحرية تامة وحماية وكما أشارت إليها القوانين الدولية وحقوق الإنسان كرسالة إنسانية معبرة مع احترام آرائه وطروحاته الفكرية التي تتعلق بمصالح الشعب ، دون المساس بمهنئته أو انتهاكا لحقوق العاملين فيه بإجراءات تعسفية لا قانونية ، وأشار البحث إلى تأثير الإعلام على الرأي العام والعوامل التي ساهمت في تأييده من خلال تبنيه مصالح الشعب والبحث في كيفية الخلاص من معاناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، كما بيّن البحث عدد من الملاحظات عن أداء الإعلام والإعلاميين في ساحات الانتفاضة في بغداد ومحافظات العراق الأخرى ،واختتم بخلاصة ومصادر البحث .

مفاهيم إعلامية:

يُعد الإعلام من مظاهر المجتمع الأساسية في العصر الحديث ويقوم بمهمة كبرى في توجيه المجتمع نحو التنوير الثقافي والمعلوماتي وحاجاته الحياتية ، ووسيلة تعبر عن هوية المجتمع وتوجهاته نحو القضايا المطروحة في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لإرساء مفاهيم صحيحة ، إذ أصبح الإعلام عملا كبيرا يشد المجتمع نحوه كونه مصدرا للمعلومات ومن خلال التخصص والإبداع يستطيع نشر الحقيقة وغرس قيم إنسانية وأفكار نبيلة وتبنيها ضمن سلوكيات أخلاقية تشكل نقلة نوعية في الثقافات المختلف القضايا المتعلقة والمحيطة بمجتمعنا والتعامل معها بروح من المسؤولية وبعوامل عقلية واجتماعية لحماية المجتمع ونشر الإصلاح والحقيقة والدفاع عن الحقوق ومكافحة الفساد كمساهمة فعالة في التقدم المجتمعي وتشجيع حرية الرأي والرأي الآخر كمدخل للعمل الديمقراطي ووسيلة للتعبير بطريقة فنية معينة من خلال توصيل البيانات والمعلومات بصورة مفهومة .
والإعلام بصورة دقيقة وعلمية بأنه نقل الحقيقة والمعلومات عن موضوع أو حادث أو حالة معينة تهم أكبر عدد من الناس تتعلق بحياتهم، فالإحاطة الشاملة بالمادة الإعلامية لدى فئات الجمهور بالحقائق الموضوعية والصحيحة تسهم في تنوير الرأي العام والصائب لدى الجمهور عن المشكلات المثارة، ولكي يكون الإعلام مؤثرة لا بد أن يكون منسجمة ومتوافقة مع خصائص وتطلعات المجتمع في رغباته وسلوكه، فهو عبارة عن
إيصال معلومات عن رأي سياسي او اقتصادي أو مشكلة تهم الجمهور لها علاقة به ضرورة معرفتها والوقوف على حيثياتها للوصول إلى حقيقتها
والخلاصة: الإعلام هو عبارة عن التعريف بقضايا العصر ومشاكله وكيفية معالجة هذه القضايا بتزويد الناس بأكبر قدر من المعلومات الصحيحة والحقائق الواضحة وكما يحدث الآن في انتفاضة تشربن السلمية وإعلامها في ساحات التحرير والجهاد والرباط وهو حق في الحياة والحرية والعدل كونها رسالة إنسانية إذ جوهر الإعلام هو عرض الآراء والأفكار للمخاطب بهذه الرسالة.

حرية إعلام الانتفاضة والقوانين والإعلانات العالمية:

إن إعلام ساحة التحرير وشباب الانتفاضة في الساحات الأخرى هو حق إنساني كفلته القوانين العالمية للتعبير عن رأي الجماهير الساخطة المطالبة بحقوقها الاجتماعية والإنسانية.
لذا ضرورة أن يتمتع إعلاميو الانتفاضة بحرية كاملة للإعلان عن طروحاتهم ومشاريعهم السياسية والاقتصادية وغيرها.
ومن أهم المواثيق الدولية في مجال حرية الإعلام التي تتوائم مع إعلام الانتفاضة التشرينية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 م الذي نص في المادة (19) على حرية الرأي والتعبير، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1966 م. وعليه فإن إعلام الانتفاضة عملا قانونية مشروعة لا يتنافى مع ما جاء من نصوص قانونية عالمية، وتأكيدها على الحق في اعتناق الآراء بحرية لإيصال الحقائق إلى المجتمعات بصدق ومهنية عالية وبأية صورة كانت إذ تنبثق هذه الحرية من كرامة الإنسان والبشر فيها أحراره متحررين من الخوف، ومن غير الممكن التمتع بحرية الإعلام إذ كان في غير مأمن من التخويف والضغط والإكراه من قوى سياسية أو اجتماعية أو أشخاص لهم تأثير قوي كأداة للضغط على الإعلام والعاملين فيه .
لقد أثبت الواقع أن إعلاميي الانتفاضة التشرينية تعرضوا إلى القتل والخطف والاعتقال والتعذيب لمنعهم من ممارسة حريتهم الإعلامية ومطالب المنتفضين المشروعة وبالدليل الجرمي من ميليشيات غير منضبطة وبعلم السلطة، لتكميم الأفواه ومصادرة الرأي الحُر لإنقاذ البلاد من الفساد السياسي والاقتصادي وتردي الوضع الأمني فيه .
إن القلق الشديد إزاء ما يتعرض له الإعلاميين في ساحة الجهاد والرباط وساحات الانتفاضة السلمية يجعلنا أمام حالة غير قانونية ولا إنسانية بسبب كشفهم للحقائق مع أن حرية التعبير مسألة جوهرية نصت عليها الصكوك الدولية لحقوق الإنسان وإدانتها لعمليات العنف التي ترتكب ضد الصحفيين.
وقد أدان المؤتمر السابع لليونسكو في 12 / تشرين ثاني / 1997 م وإعلان مدبلجين لعام 2007م عمليات القتل والهجمات المدبرة وعمليات خطف واحتجاز وملاحقة الإعلاميين والصحفيين وَعدَّه عملاً غير قانوني ، الأمر الذي يتطلب ملاحقة الأشخاص قانونية وإجرائية الذين ارتكبوا جريمة أو أمروا بارتكابها وأيا كانت صفتهم أو مسؤوليتهم أو مستواهم الوظيفي وتقديمهم للمحاكم مع اعتماد قانون عدم تقادم الجريمة للذين ارتكبوا الفعل الجرمي ، لضمان تطبيق الصكوك الدولية آنفة الذكر ، كما أن البرنامج الدولي لتنمية الاتصال العام في باريس التابع للأمم المتحدة طلب في 3 / 4 / 2008م من الحكومات
الإبلاغ عن تحقيقاتها الخاصة باغتيال الإعلاميين والجرائم التي ارتكبت ضد العاملين في الإعلام كون الاغتيال عملاً مخالف للقانون وجريمة عمدية …. إلا أن السلطة في العراق وميليشياتها هي من مكنّت وخططت لارتكاب هذه الجرائم وعن قصد منتهكة حرية الإعلام لإذلال المواطن العراقي وكسر إرادته ونحر حريته وممارستها سياسة متوحشة ليس ضد الإعلاميين فقط بل ضد المنتفضين السلميين العزل في ساحات الجهاد والرباط. وقد تأكد ذلك بالدلائل التي لا يرقى إليها الشك وبالاسم والتاريخ والجهة المنفذة، دون إجراء ردعي مما يدل على علم السلطة بها لتكميم الأفواه وتطلعات الشعب لمكافحة الفساد والانحطاط الثقافي وتفشي سرقة المال العام وسوء إدارة الاقتصاد، وتعميم الجهل والأمية وإشاعة الفقر والجوع والبطالة ونقص الخدمات الصحية وغيرها.

حماية إعلاميو الانتفاضة وفقاً للقوانين العالمية:

لقد تكلمنا عن حرية الإعلام واحترام الرأي الآخر وتحريم العمل على تكميم الأفواه أو اضطهادها إذ يعد ذلك مخالفة قانونية وانتهاك لحقوق الإنسان وهذا ما أشار إليه الدستور العراقي لعام 2005م ، إلا أن الأمر يكون أبعد من ذلك وأكثر أهمية عند عدم حماية الإعلاميين للتعبير عن آرائهم ومواقفهم حتى وإن كانت مخالفة لتوجيهات السلطة وسياستها في نواحي الحياة المتعددة لكون الإعلام ضمير المجتمع ومراته الحقيقية في نقل الصورة في إطارها الطبيعي فقد أكدت اتفاقية لاهاي لعام 1907 م على حماية الإعلاميين كونهم مدنيين يقومون بتغطية ونقل الأخبار ، وهناك مواثيق عدة واتفاقيات دولية تؤيد حق الإعلاميين في العمل بحرية وتحت الحماية الدولية ، منها ما جاء في القانون العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م واتفاقية برلين لعام 1886 م ، إذ أدانتا جميع الأعمال لتحريضية ضد سلامة الإعلام والعاملين فيه وحماية معداتهم وتجهيزاتهم الإعلامية .
إلا أن ما يؤسف إليه نجد أن الاتفاقيات وعلى الرغم من نصوص موادها لم تمارس وتفعل عملها الإنساني والقانوني في حماية إعلاميي انتفاضة تشرين السلمية، ولم تطالب السلطة في العراق وميليشياتها المسلحة من الكف عن أعمالها الإجرامية أو توجيه الاتهام إليها أو تنبيه السلطة للكف عن استهداف الإعلاميين والذي كان من واجبها القانوني والإنساني حمايتهم وفقا لدستورها وللقوانين الدولية، وهذا ليس اتهام للسلطة وميليشياتها بل أنها حقيقة مؤكدة. والأكثر من ذلك وشعبنا يطالب بحقوقه المشروعة فقد كفلت المادة (50) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م واتفاقية جنيف العام 1949م حماية الإعلاميين والصحفيين في نقل سير المعارك الحربية بين الجيوش أو غيرها من الأحداث العسكرية، فما بالنا في إعلاميي انتفاضة تشرين السلمية الذي ندفعهم الواجب الإنساني لنقل أحداث ساحات الانتفاضة في المحافظات العراقية.

إن حماية إعلاميو الانتفاضة لا يخرج عما نصت عليه الاتفاقيات الدولية التي أكدت على المعاملة الإنسانية وعدم تعرض الإعلاميين للأذى أو القتل أو التشويه والتعذيب أو المعاملة القاسية أو الاحتجاز، وكما أكد عليها القانون الدولي الإنساني على ضمان سلامتهم، وجاء في المادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 م على حماية خاصة للإعلاميين وللأسباب التالية:

الحق في الحياة والمعاملة الإنسانية وحظر التعذيب المادي والمعنوي.
الحق في احترام أشخاصهم وشرفهم وحقوقهم وعدم الاعتداء عليهم.
وذكرت المادة ( 27 ) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 م الأشخاص المحميون في كل الحالات حق الاحترام لأشخاصهم وعدم المساس بحقوقهم الشخصية والمهنية ولا يجوز إذلالهم أو تحقيرهم أو إهانتهم عند أداء واجبهم الإعلامي .
أما المحكمة الجنائية الدولية أشارت في المادة ( 1 / 8 / أ ) أن جريمة القتل العمد هي جريمة ضد الإنسانية ، لذا يتوجب حماية الإعلاميين دولية وتجريم الاعتداء عليهم .

إعلام انتفاضة تشرين وتأثيره على الرأي العام العراقي:

إن انتفاضة الشباب السلميين في ساحات الجهاد والرباط المؤمنين بحقوق وطنية مشروعة ، عرضوا صدورهم العارية لرصاص الغدر ، متمنطقين بمبادئ الحق وعزة الوطن واستقلاله حتى التحرير إن شاء الله ، فكان الإعلام ساحة التحرير والرباط ومازال دورة مؤثرة ومهما في الحياة ومتغيراتها السياسية والاجتماعية من خلال الرسم والصورة والكلمة والشعار المرفوع والبيانات المعبرة المتكونة من إسهامات ذاتية فاعلة في إطار المقومات الوطنية والإمكانيات الأساسية للمجتمع العراقي بأساليب يقبلها العقل لإعطاء صورة حقيقية لا تخرج عن إطارها الطبيعي في تغيير الاتجاهات وتحريك قطاعات واسعة لتبنى موقف معين او عمل مشرع يتعلق بالحالة العامة للبلد .. وما نسمعه اليوم ونشاهده من ساحات التحرير والرباط لشعب قد صودرت حريته وكممت أفواهه واستشهد المئات واعتقل من شبابه وشاباته من قبل أجهزة قمعية لها ارتباط بأجندات خارجية معادية
فإعلام الانتفاضة أصبح أحد دعائم المستقبل في التعبير والتغيير الذي ارتقى بالمعرفة المستنيرة والإسهام في بناء كل ما يتعلق بمصالح الوطن وخدمة المواطن العراقي، في الوقت الذي مازال شعب العراق في محنة كبرى يتحمل وطئها ومأساتها وبشاعة السلطة وميليشياتها، ومع ذلك نجد ونتلمس أن هناك هيئة إعلامية واعية قادرة على تحريك الرأي العام بالاتجاه الوطني الصحيح ومساندتها للمطالب التي تبنتها الجماهير المنتفضة مما يفرح القلب ويريح الضمير ويطمئن لمستقبل أفضل لما يبثه إعلاميو ساحة الجهاد في المحافظات المنتفضة.
ومما يتضح واقعة وفعلا أن إعلام الانتفاضة ليس مجرد إعطاء معلومات ومعارف وإنما فعل مؤثر لتحريك الرأي العام مع قدرته على تحمل مسؤولية القرارات السياسية ذات الأبعاد المهمة التي تصدرها الانتفاضة على الصعيد الوطني كإسقاط العملية السياسية وحل الأحزاب والبرلمان وإلغاء الدستور ، وزيادة فرصة المشاركة الواعية في صنع القرار السياسية ومعالجة الحالات الاجتماعية وفقا لأسس موضوعية وهذا ما أثبته إعلام الانتفاضة بأنه لا سلطان عليه في مراقبة الانحرافات السياسية ومخالفة القواعد الإنسانية والقانونية التي تهين الإنسان وتناوله القضايا العامة