جمال الحربي
السعوديون لا يرون اليوم أن تظل بلادهم مرهونة بمزاج رام الله وغزة ولا بقضية يقودها تجار الخسارة، وذلك بعد عقد من تقديم السعودية ورقتها للمبادرة العربية التي ذرتها الرياح بسبب ممانعين اصطفوا خلف إيران وتركيا.
طي صفحة متاجري القضية
فتحت معاهدتا السلام المبرمتان بين الإمارات والبحرين وإسرائيل جدلا واسعا امتدّ في طول وعرض الوطن العربي، حيث شخصت الأبصار نحو المملكة العربية السعودية التي عبرت أجواءها طائرة إسرائيلية تحمل وفدا أميركيا إسرائيليا رفيع المستوى يتقدمه مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر.
وفي حين أخذ المحللون يتنبّأون بأن السلام بين إسرائيل ودول المنطقة كلها بات قاب قوسين أو أدنى، إلا أن زمرة أخرى من معارضي السلام بقيادة محور تركيا وإيران وقطر وأبواق رام الله وغزة، أو ممن اعتبروا القضية الفلسطينية ومفتاح السلام ملكا لهم، انتقدوا المتّجهين للسلام، إذ لم يستشيروهم ولو تحت الطاولة كما اعتاد سماسرة القضية، في محاولة منهم لتأليب الشارع العربي ضد قاطرة السلام.
قضية السلام الحالية مع إسرائيل أبرزت مدى السذاجة التي ينظر بها هؤلاء إلى منطقة الخليج التي لم يعتبروها يوما سوى بقرة حلوب مربوطة عند أبوابهم لتدرّ عليهم الحليب وقت ما أرادوا، والتي كلما أحسّوا أن ضرعها قد يجف عليهم أخذوا في الصياح واختلاق الأزمات وإشعال الشارع وتأليبه عليها.
من الصعوبة بمكان أن يدرك النابحون في عواصم التآمر ما بات عليه المزاج السعودي اليوم في بلد أغلبه من الشباب ويقوده جيل جديد يضع مصلحته فوق كل اعتبار
الإمارات دفعت ثمنا باهظا ولم تسلم من الجرائم التي ارتكبت ضد الفلسطينيين والعرب في العقود السابقة، حيث تم اغتيال سفيرها في باريس خليفة أحمد عبدالعزيز المبارك عام 1984 من قبل جماعة أبونضال، والسبب هو عدم تقديم السفير الإماراتي دعما ماليا لمجموعة أبونضال بعكس المجموعات الفلسطينية الأخرى، حسب زعمهم.
هذا الابتزاز وهذا الفقه هو الذي نشأ عليه هؤلاء، هو ملخص نظرتهم للخليج خاصة، وللعرب عموما، فطالما أن القضية هي تجارتهم الرابحة التي تدرّ عليهم الأموال فلماذا تُغلق، فهي تجلب لجيوبهم أكثر مما سيجلبه السلام لهم، حيث سيلزمهم السلام والعمل والجد والاجتهاد، إنهم أشبه بمن تقاعدوا بعد أن ضمنوا رواتب التقاعد، فلمَ العمل إذن؟
وإذا ما أتينا للمملكة العربية السعودية التي دفعت كل غال وثمين في سبيل دعم القضية الفلسطينية، نجد أن لها نصيبها أيضا من هذا الويل حين اختطف وزير نفطها أحمد زكي يماني مع وزراء النفط وهددت الجبهة الشعبية بقيادة الإرهابي الدولي كارلوس بتصفيته باسم القضية الفلسطينية عام 1975.
ويدرك كل من تابع الحراك السياسي الفلسطيني كم عبث هؤلاء بالعرب شرقا وغربا، وكمية الفوضى والتخريب اللذين حصلا للعرب من ورائهم، الأمر الذي أدركته مصر مبكرا حين نأت بنفسها وأقدمت على توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل وتلاها الأردن الذي اكتوى بدوره بنيرانهم.
اليوم بعد أن بدأ الجميع في طي صفحة متاجري القضية، وركوب قطار السلام بعد أن رأوا فرص السلام تضيع أمامهم واحدة تلو أخرى على يد هؤلاء، بدأ الركب ينطلق، وبعد الإمارات والبحرين ودول أخرى لم يعلن عنها، يجمع الكثيرون على أن السعودية قادمة لتكون جزءا من المجتمع الدولي الذي يرى أن السلام قضية غير قابلة للتأجيل، خاصة بعد اصطفاف محور تركيا وقطر اللتين تمارسان سفاحا علنيا مع إسرائيل وتحاولان منع غيرهما من بناء علاقة شرعية معها.
إن كلمة السلام بالنسبة للسعوديين أمر ليس بالجديد، فقد درس جميع السعوديين في مقرراتهم جواز الصلح مع اليهود منذ صلح الحديبية، الأمر الذي أكده قبل نحو عقدين مفتي السعودية الشيخ ابن باز في فتواه الشهيرة التي تجيز الصلح وتوقيع المعاهدات وتبادل السفراء معهم إن اقتضت مصلحة المسلمين ذلك، وهي الفتوى التي لم يتجرّأ أحد من ذوي الاعتبار في الرد عليها في وقت لم يكن أحد ليجرأ على التحدث في ذلك.
السلام قضية غير قابلة للتأجيل السلام قضية غير قابلة للتأجيل
ولا يرى السعوديون اليوم، أن تظل بلادهم مرهونة بمزاج رام الله وغزة المتقاعستين، ولا بقضية يقودها تجار الخسارة، وذلك بعد عقد من تقديم السعودية ورقتها للمبادرة العربية التي ذرتها الرياح بسبب الممانعين الذين ولّوا وجوههم للسلام واصطفوا خلف أحلام إيران وتركيا ومكائد الدوحة ومن يقودها.
من الصعوبة بمكان أن يدرك النابحون في عواصم التآمر ما بات عليه المزاج السعودي اليوم في بلد أغلبه من الشباب ويقوده جيل جديد يضع مصلحته فوق كل اعتبار. لاسيما بعد أن كرّس سابقوه حياتهم للعبور بقضية فلسطين إلى شواطئ الأمان دون جدوى، حيث اصطدمت أحلامهم بصخرة التعنّت السياسي الفلسطيني الذي استمتع بلعبة أصبحت مملة لجيل اليوم بعد أن شرخت أسطوانتها التي تمسك بها أياد غير شريفة وغير عابئة لمصلحة الفلسطينيين.
نعم حق للسعودية أن تقلب الصفحة.. وأن تمارس سيادتها هي وغيرها في قراراتها السياسية بعيدا عن أي مزايدات فجة، إذ من المضحك حقا أن تتقدم السعودية لمحمود عباس لتستأذنه في قرار سيادي، والذي حتما لو أتاه لحوّله مباشرة إلى الدوحة لتملي عليه لعبة قذرة.
فات أوان “الضحك على الذقون” كما درج في المثل وولّى ذلك الزمن بلا رجعة.
0 تعليقات
إرسال تعليق